بعدَ التُّراب
الأغاني هناكَ هيَ الموتُ
كنّا ندندنُ أبياتَ شِعرٍ قديمٍ
بكَينا ومِلنا ولَم يرَنا أحدٌ بعدها
هل صحيحٌ بأنَّ العتابا تُبَخِّرُنا
قدْ رأيتُ أبي وَهْوَ يسْمَعُ صوتَ الربابةِ
يعلو على شكلِ غيمٍ
ومِن شدّةِ الوجدِ ممّا رأيتُ، ترمَّدْتُ
قلتُ: الرّبابةُ صوتٌ لما يتأنّثُ من مطرٍ
والرّبابةُ ما امتدَّ من حلمٍ فوقَ باديةٍ لا حدودَ لها
الأغاني هناكَ هيَ الموتُ
مثلَ الطّيورِ التي خُلِقَتْ وَهْيَ تحفظُ وجهتها في الرّحيلِ
وتعرفُ ما لم تشاهدهُ قبلاً
ستسمعُ أغنيةً وتحنُّ لعمرِ الطفولةِ
سوفَ تحنُّ لأعمارِ أهلكَ
عمرٌ يمرُّ مرورَ المنامِ الثّقيلِ
ترى الزّرعَ يغرقُ
طافَ بنا النبعُ والنبعُ طفلُ المياهِ
وضاقت بنا الأرضُ والأرضُ بنتُ المدى في عيونٍ تطيلُ التأمّلَ
إرفَع منامكَ فوقَ الأغاني لئلّا يبلّله الماءُ
ثمَّ ارتفع فوقهُ كي تراه جليّا وتحفظهُ
وارمِ كلَّ النبوءاتِ إلّا نبوءةَ نومٍ يطلُّ على حنطةٍ غرِقَتْ
هيَ موتُكَ
ثمَّ رثوكَ طويلاً وقالوا: انتشلناهُ من وهمهِ جثّةً
وسألناهُ أن يصفَ المَقْتَلَة:
تمهَّلْ وأَوْجزْ كلامكَ
واتركْ خيالَ المحبّينَ يسرحُ
قلْ قدْ بكيتُ ولا تصفِ الدّمعَ
لا تصفِ الوجهَ يشرِقُ بالصّوتِ
لا تَسْتَفِضْ بالتّفاصيلِ
دعنا نرتّبُ موتكَ وفقَ مزاجٍ جديدٍ
وذائقةٍ تتثاءبُ في مقعدٍ في القطار السريعِ وتغفو
أتعلمُ لِمْ نحنُ أدرى بموتكَ منكَ؟
لأنّكَ أبسطُ من أن تكونَ الضحيّةَ
أبسطُ من أن تطالَ خيالاً يمجّدُ موتكَ
أبسطُ من أن تجفَّ لتصبحَ نجماً يشعُّ ويُلهمنا
لا تقلْ لي بلادٌ، قلِ الأرضُ أوسعُ من صرخةِ الطّفلِ عندَ الولادةِ
لا تَفْتَتِنْ بالعصافيرِ
إنَّ اللغاتِ التي عبرت فوقَ جرحكَ، لا تحتفي بالطّيورِ الصغيرةِ
بل تحتفي بالكواسرِ وَهْيَ تدقُّ رقابَ الضحايا
تُمجّدُ شكلَ المناقيرِ معقوفةً وتنزُّ دماً.
أخَذَتنا خطانا بلا عودةٍ أو سرابٍ
سيقتلنا الحبُّ حينَ اكتمالهِ
يقتلنا الحلمُ حين اقترابه
يقتلنا جرحنا حينَ يُشفى
ويقتلُنا ما بكينا إليهِ..
الأغاني هناكَ هيَ الموتُ
لم نكُ نعرفُ
حتّى خرجنا جموعاً نغنّي لأحلامنا.
لينة عطفة