منامٌ يطلُّ على البيت
إلى وفا علي مصطفى التي تنتظر والدها المغيّب في سجون النظام السوري
إلى السوريين الذين ينتظرون
أبي..
قد حلمتُ بأنّا رجعنا إلى البيت
والحلمُ يومٌ بعيدٌ من الصّيف
كنتُ أنا طفلةً
والبيتُ أصغرُ ممّا تركناهُ
من حولِه العشبُ أعلى
وأهلكَ كانوا يمرّون في غرفٍ..
يخرجون من البابِ ثمَّ يُطِلّون ثانيةً..
والمنامُ تنقّلَ في بيتنا
ثمَّ راحَ إلى الغرفِ المعتمة
ولم أعرفِ العتمَ..
هل كان زنزانةً، أم مكاناً قديماً
أراكَ على الأرضِ تجلسُ
ثمّ أحاولُ لمسكَ لكنني كنت أبعدَ
أو غيرَ مرئيّةٍ..
لماذا عيونُكَ ليست تراني؟
أمي تنادي باِسميَ
والصوتُ يذهبُ
ثمّ يدورُ المكان..
أعودُ إلى غرفةِ العائلة..
أمشي وألمسُ كلَّ الأثاثِ
كأنّي أودّعهُ أو أعودُ إليه
ضبابٌ على درجِ البيت والعتبة
ضبابٌ على القلبِ
ثمّ كبرتُ..
ودارَ المكانُ فعدتُ إلى العتمِ
كنتُ أمدُّ يديَّ إليكَ.. لأمي
أمدّ يديَّ لعمرٍ بعيدٍ..
ولا تصلانِ
كأنّي كبرتُ.. وظلّت يداي لطفلة
بعينٍ ترى ويدٍ لا تطاولُ نجمة
وأمشي إليكَ.. يصيرُ الطريقُ طويلاً
كأنَّ الطريقَ بلاد..
وأمشي إليكَ.. تصيرُ البلادُ حدوداً
وكلُّ الحدودِ سواء..
وأمشي إليك فيرصدني الجندُ
يتبعني الناسُ.. تتبعني الأرضُ..
طالَ منامي..
طالَ رحيلي..
وحين وصلتُ لمستُ يديك
فأبعدْتَني وابتسمتْ..
وقلتَ: أنا عائدٌ
فأفقتُ..
ولكنّني قد لمستُ يديك..
أعرفُ من خدرٍ في الأصابعِ..
أعرفُ من خفقةِ القلب..
كيف إذن سأعانقُ صورتك الآن وحدي
هنا في البلاد الغريبة؟
كيف سأروي الحكاية في لغةٍ ليس فيها حكايا بصوتك؟
كيف سأمضي على الطرقاتِ أمام السفاراتِ والناسِ والأمم الميّتة؟!!!
وينتظرونَ دموعي لكي يحزنوا
„كمِ الحزنُ عذبٌ!“ يقولونَ في سرّهم
وتبوحُ الوجوهُ..
فأبكي بدونِ دموع..
ولكنّ هذا الخرابَ عظيم
والطيرُ تنقرُ حنطتها من سلالِ الجموع
وأنا ليسَ لي غير صوتي
وصوتيَ لا يردمُ الهاوية
صرختُ إلى اللّه
صوتي تكسّرَ كالآنية
صرختُ إلى الناس
مالوا إلى رايةٍ دامية
صرختُ إليكَ
فضاقَ الكلامُ عن الأمنية
أريدُ من الأرضِ بيتاً
أريدُ من البيتِ أرضاً
أوسّعُ هذا الفضاءَ
أوسّعُ هذا المدى
لنصيرَ معاً
لتصيرَ الجموعُ فرادى
وللفردِ وجهٌ
وللوجهِ روحٌ
وللروحِ تعلو سماءٌ وتغدو الحدودُ سراب
أريدُ أبي أن يعود
أريدُ الرجوع..