المؤانسة
ينهضُ الناس في الصباحات التي لا تحمل أخباراً
ويمشون قرب بعضهم / عكس بعضهم
ولربما يحتكّ الكتف بالكتف
لكنّ الأعين لا تلتقي أبداً
يلقون التحية..
جافةً تخرج من الحلق
جافةً وعبثيّة
تمضي هباءً
بين الوجوه التي تشيح بأنظارها إلى لا شيء
تلك التحية.. كم تثير الذعر!
مرحباً أيّها المرء الذي يشاركني الانتظار
في عيادة الأسنان
لن أحبكَ ولن أكرهك
أنت لا تعني لي شيئاً
أنت الوقت الثقيل الذي سأمضيه وحيدةً
ريثما يصل دورك.. ريثما ينتهي دورك
ريثما تقول الممرضة اسمي
في شراء الخضار
تُسقط السيدة العجوز كيس الطماطم
تتدحرج الحبات كأنّما تضحك
كأنما تتحدى التهاب المفاصل
ولا يلتفت أحد
الجميع يشتري الخضار
على مقعدٍ في الحديقة
على الحصى قرب نهر
على حواف الأرصفة
على الأدراج العريضة في المدن
يجلس الناس
كأنما يقولون للقصيدة: اكتبي عزلتنا
دمى الواجهة تحدّق في المارّة
في الطفلة
في الأمّ التي جرّت ابنتها.
في الأسواق المترفة
يمشي الناس
بخطوات متشابهة وملامح متشابهة
وأعين لاترصد شيئاً
وحدها الدمى.. راسخةً تحدّق في الخطى الذاهبة إلى الفراغ
نسيَت أسماء أحفادها
نسيت وجوههم
نسيت كيف يتمّ ابتلاع الطعام
يتناوب الجميع إجبارَها على تناول الطعام
إجبارها على الحياة
ما الذي يريده الناس من الشعر؟
كلمة للحبيبة.. كلمة للأم
كلمة للحزن.. كلمة للخوف
يريدون أن يرفعوا القناع عن وجه العزلة
نعقدُ الحب بين خاتمين
ونستلقي في الأسرّة
كلٌّ على جانبه
ممسكين هواتفنا المحمولة
نقلّب الأخبار والصور والكلام السريع
إلى أعلى بسباباتنا.. إلى أعلى
ندفع الوقت ليمضي..
والحبُّ على حاله معقودٌ بين خاتمين
إنني غاضب قال الرجل في الشارع
إنني خائفة قالت المرأة وهي تفرم الخضار
إنني غير راضٍ قال الطفل الذي يركل الكرة صوب الحائط
إنني أعزل قال الطاغية وهو يضغط على الزناد
إنني لا أحد
في البلاد التي يتبدّل بها جيراني مرتين في العام
في البلاد التي لا أحكي لغتها.. إنني لا أحد
مجهولةً لدرجةٍ لم أعد أخجل فيها من شيء
بالأمس غضبت لأني لم ألحق القطار
وقفت في منتصف الشارع وصرخت
لكن أحداً لم يكترث ولم يلتفت حتى
طفلٌ صغيرٌ فقط
وضع سبابته على فمه، مشيراً إليّ بالصمت!
لينة عطفة