جوارب مثقوبة
في صغري كان لديّ دزائن من جواربَ مثقوبة تركها على بابنا آخرون حين شعروا بالملل منها، أو عندما استنفدوا حيلهم لإخفاء عيوب أقدامهم القبيحة داخلها..
فعلتُ معها كلّ شيءٍ يخطر في بالي، مثلاً عندما أريد أن أنام كنت أحشو بها وسادتي وفي الصّباح أستيقظ وأدسّها داخل جوربٍ واحد لألعب بها مع أطفال الحيّ، وحين أعوُ وحيداً في المساء أختبئ تحت السّرير وأصنع منها حيواناتي الأليفة…
في الصّيف كنتُ أنقعها داخل حوض من الماء، أجلس قبالتها وفي يدي عصاً المكنسة ثمّ أبدأ حربي الخاصّة المتخيّلة مع تنانينَ متوحّشة جاءت لتقضي على العالم برائحتها الكريهة..
وفي الشّتاء كانت تصلح مخبأً سرياً لبعض الفكّة و الحشرات المنزليّة..
مع هذا لم أشعر يوماً بامتلاكها.. لهذا ربّما كلّما فكّرتُ بارتدائها شعرتُ بالاختناق..
الآن بعد هذا العمر أفهم ماحدثَ تماماً، إنّها الجوارب المثقوبة والمستعملة التي تركها آخرون على أبوابنا بعد أن شعروا بالملل أو الشّفقة، والتي نتركها بدورنا على أبوابٍ أخرى للأسباب ذاتها على الأرجح!
إنّه الحبّ.. ما تبقّي منه، تركه آخرون عند عتباتنا، والذي يخنقنا كلما فكّرنا بارتدائه لأنّه كان أبداً ملكاً لآخرين غيرنا …!!