الفكرة
إلى ايف .. ابنتي
أنتِ الآن فكرةٌ تتدحرج من رأسي أراقبها بلهفةٍ وهي ترتدي مريولها المدرسي، الفكرة الوحيدة التي تمنعني من أن أضرب برأسي عرض الحائط والتي أسمح لها بالاقتراب مني دون أن أشعر تجاهها بالخوف أو بالفشل.
الفكرة التي بدأت أقلّ من حبة قمح ولفرط فرحي بها صرت أخاف عليها من عصافير قلبي حتّى.
الفكرة التي تخرج كلّ يومٍ من رأسي غير مأخوذةٍ بالحرب والقصائد وبالأشياء المزعجة أو التّافهة التي تحدث خلف الباب.
الفكرة التي تسير بقدميها الصغيرتين في الغرفة المجاورة فأشعر أنّ قلباً آخر ينمو في صدري.
تقولينَ: بابا (شوف) وأنت تُمسكين بقلم الكُحل ترسمينَ على بابِ الخزانةِ أمورَ غير مفهومةٍ بالنّسبة لي أقولُ لكِ :
هذا دبٌّ وهذا تمساحٌ
فتقولينَ: نعم
بعد قليلٍ أشعر بالغباء
فأقولُ لكِ:
هذا عصفورٌ وهذا أرنبٌ
فتقولينَ: نعم
بعد قليلٍ أشعر بالغرابة
فأقولُ لكِ:
هذه أنت وهذا أنا
فلا تقولينَ شيئاً
فأتظاهر بأنّني سمعتكِ تقولين نعم
كما فعلتُ في المرّات السّابقة
…
آخر اللّيل
تَرجعينَ إلى رأسي فكرةً ناصعة الدّهشة
تقولين بابا „بدّي طير“
„وأنا مثلك“ أقول،
فتصمتينَ لأن أحداً ما أفسد عليكِ متعة التّصديق.
تصبحين على خير وأغمضُ، لكنني لا أنام
أفتحهما فلا أرى شيئاً
وحتى لا تلوثك أفكاري السيّئة أخرجكِ مِن رأسي، أضعك بين دفتي كتابٍ أو جانب مزهريّةٍ..
_ستكبرين على أيّ حالٍ ولن يسعك هذا المكان_
وحين أشعر بالضّجر أناديك باسمك الذي لا تعرفينه..
فتجيبين!
أناديكِ باسمي
وتجيبين!
أناديك باسمٍ آخر لن يكون لكِ وليس لأحد
مع هذا أنتِ تجيبين أيضاً
يا الله كم فكرةً أنتِ؟! وكم أحداً !!