Menu
Suche
Weiter Schreiben ist ein Projekt
von WIR MACHEN DAS

> Einfache Sprache
Logo Weiter Schreiben
Menu
Weiter Schreiben Mondial - Briefe > Rasha Azab & Lina Atfah > Dieser Hunger schadet dem Klima nicht - Brief 3

هذا الجوع لا يؤذي المناخ! - الرسالة الثالثة

Übersetzung: Osman Yousufi aus dem Arabischen

© Osman Yousufi

 

رشا العزيزة؛

تابعت أخبارك ورأيت صورك.. ذاهلة أمام شجاعتك ورفيقاتك في اعتصامكن في مقر نقابة الصحفيين وإضرابكن عن الطعام، وتضامنكن مع علاء عبد الفتاح الذي يصارع الموت من أجل الحرية.

أنتظر بألم أي خبر عن علاء عبدالفتاح.. أتابع بصمت أمه وشقيقتيه.. وأشعر بالعجز.. لم أستطع حبس الدموع عندما رأيت أمه تتكلم في الفيديو وتتحدث عن تفاصيل الانتظار والخوف من عدم معرفة إن كان علاء حيا أو واعيا، وكيف بجبروت الأمومة وتكريما لنضال ابنها خنقت البكاء وأكملت الحديث..

هذا يكسر الظهر! عاد بي ذلك المشهد إلى حكايات أمهات وأهالي المعتقلين في سجون حافظ الأسد، وكانوا كثرا حولي، إذ حارتُنا وحدها كانت لتستحق وبدون أي مبالغة أن يتم إنشاء وكالة غوث خاصة بها لكثرة المعتقلين فيها، من كل عائلة معتقل أو اثنان، وعلى نساء العائلات أن تتكافلن وترتبن إجراءات السفر إلى سجني صيدنايا والمَزَّة في دمشق لزيارة أبنائهن وأزواجهن وأخوتهن المعتقلين. وللمفارقة كلمة زيارة لا تعبّر عن المعاناة التي تتكبدها عوائل المعتقلين في سبيل رؤية أبنائهم، انتظار الحصول على إذن بالزيارة، تحضير ما سيأخذونه معهم من مأكل وملبس للمعتقلين، طريق السفر المرير مع الأطفال، المشي صعودا للوصول إلى بوابة السجن في أعلى الجبل وما يرافقها من ابتزاز الجنود وتحقير الكرامة الإنسانية، ثم عملية تفتيش الأغراض ونهبها والاستيلاء عليها، الزيارة كانت مَطْهَرا يتكرر عدة مرات في العام، وينتهي دائما بلقاء خلف شبكين معدنين لا يمرّ خلالهما إصبع.

ماتت جدة أبي بعد سنتين من آخر زيارة لابنها، ماتت وهو في السجن دون أن تراه ودون أن يحضر جنازتها، خرج بعد اثني عشر عاما من الاعتقال، وثماني سنوات من وفاة أمّه. أضرار اعتقاله طالت الجميع، أهله وأصدقاءه ومدينته التي كان مدير مركزها الثقافي والتي أحدث فيها نقلة نوعية في الحالة الثقافية بالنسبة لمدينة صغيرة فقيرة تقع على كتف البادية فترك غيابه فراغا عظيما، أما الأثمان التي دفعتها عائلته فحتى أنا حفيدة أخته لم أنجُ منها، وهذا حديث يطول.

الجميع دون استثناء دفع الأثمان الباهظة في سوريا تحت وطأة هذا النظام وعلى دفعات متتالية وفترات زمنية مختلفة، كنا نظن أنه لن يأتي ما هو أسوأ وأقسى من فترة الثمانينات في عهد الأسد الأب لكن الدكتاتوريات قادرة دوما على تقديم المذهل المرعب، فما حدث في عهد الأسد الابن لا يفوقه عسف وعنف. لا يمكن لإنسان أن يتخيل ما يتم التخطيط له في عقل ديكتاتور، عندما اعتقل حافظ الأسد جد زوجي وقد كان الجد عضو قيادة قطرية لحزب البعث في فترة الستينات من القرن المنصرم، ومن رجال الدولة الذين رفضوا الإذعان لانقلاب حافظ الأسد فما كان من الأخير إلا أن اعتقلهم ودون محاكمات استمر بتجديد مدة الاعتقال؛ استدعى حافظ الأسد (جدة زوجي) زوجة الرجل الذي اعتقله وجلس على مائدته وأكل مع عائلته، استدعى الزوجة وقال لها: لا تقلقي يا أم علي لا تقلقي سأتكفل بتعليم الأولاد حتى يتخرجوا من الجامعات، فقالت له مصدومة: وهل سيبقى أبو علي في السجن إلى ذلك الحين؟!

لقد كان يعرف منذ البداية ما يفعل ويرسم في ذهنه الخطط اللانهائية للانتقام.

خرج جد زوجي بعد ثلاثة وعشرين عاما من الاعتقال.

حكى لي الجد مرة عن قيامه مع معتقل سوري بإضراب كامل عن الطعام تضامنا مع معتقلين مضربين عن الطعام من الأردن وفلسطين في سجون الأسد كانوا يطالبون بمحاكمة أو إطلاق سراح، رفضت إدارة السجن الإضراب، هددتهم ثم ساقتهم للحبس الانفرادي ثم للتعذيب بالكرسي الألماني، كانوا يضعون لهم اللحم المشوي وأشهى الأطعمة والخضار والفواكه الطازجة طوال اليوم دون جدوى، في النهاية وبعد بدء الأجساد بالانهيار ساقوهم لمستشفى السجن وقيدوا أيديهم وأرجلهم ووضعوا لهم محاليل التغذية قسرا، جاء الطبيب إلى جدي وقال له: زوجتك وأطفالك أتوا إلى عيادتي وبكوا وسألوا عنك ما ذنبهم حتى تفعل بنفسك هذا لقد حرقوا لي قلبي، أطفال مساكين. بعد ضغوطات وأيضا بعد مناورات من ضابط في القصر الجمهوري ليقنعهم بإنهاء الإضراب، أنهوه وهم على يقين أن لا شيء سيتغير. وعندما زارت الجدة جدي عاتبها: لماذا أخذتِ الأطفال وذهبتِ بهم ليبكوا أمام طبيب السجن ألا يكفي ما كنت أمر به لتسهِّلي استخدامكم ورقة ضغط عليّ؟ فانصدمت وقالت له: لم أذهب لا أنا ولا الأطفال أبدا.

لقد كان الطبيب السجان يكذب ويناور وينفذ الأوامر.

أصدَق ما قيل في الديكتاتورية هو قول جدة أبي لابنها في زيارة السجن الأخيرة: „والله يا ابني الوجع يدخل من الشباك ولا يخرج إلا من خرم الإبرة.“

مرة طالب المعتقلون أن توافق إدارة السجن على إعطائهم مذياعا، بعد مفاوضات ونقاشات وتعاطف من آمر السجن الجديد وافقت إدارة السجن على إعطاء المعتقلين مذياعا لكن دون موجات تردد طويلة(fm).

إنهم يدفعون بنا إلى طاقتنا القصوى على الاحتمال، نلهث وراء أبسط شروط الحياة، فتصبح الحياة أضيق من خرم الإبرة. قد تبدو التفاصيل اليومية بسيطة مارقة لكن يا لها من حاجات بشرية عميقة غيابها يكسر الروح قطعا حطاما لا يمكن جمعها، حاجة المرء أن يستمع إلى أغنية، أن يعرف ما يدور في العالم، أن يعانق أمه، أن يخرج في جنازة أبيه، أن يرى أطفاله يكبرون، أن يشرب ماء نظيفا، أن يأكل طعاما يشتهيه، أن يرتدي ملابس حقيقية نظيفة وليست خرقا مرتوقة ببعضها مشبعة برائحة الحيطان الرطبة، أن ينام، وأن ينام على سرير مريح..

إنها الأشياء التي يمتلكها البشر بشكل طبيعي في حياتهم لكن على شعوب بلداننا أن تتجرع المر لتحصل على أبسط حقوق الإنسان، بينما حكومات العالم المتحضر الديمقراطي تتخبط بين إدانة الممارسات القمعية وبين صفقات النفط أو الغاز، تتردد بين استقبال اللاجئين وبين بيع الأسحلة لحكوماتهم. ثم تقيم مؤتمرا للمناخ في بلد ترى حكومتُه شؤونَ البيئة والمناخ نكتة فريدة، ولكنها تقف مفزوعة من تغريدة على تويتر عن مقتل المعتقلين في سجونها وتعتبر التغريدة مساسا بأمنها القومي! مؤتمر المناخ في مصر يشبه مهرجانا للأوريغامي  في قرية لا تتدفأ إلا على الورق!

من يطبّع علاقاته مع الديكتاتور ويشرعن وجوده في السلطة ليس إلا جدارا قديما رطبا يسدُّ التاريخ وينبت في ظله فطر سام وخبيث.

حريتُنا مجرد سؤال عابر أو ورقة ضغط على طاولة المفاوضات.

لو كان هناك خيارات كان من الممكن أن نسأل أنفسنا ما الجدوى من كل هذه التضحيات؟ لكننا مجبرون أن نكون أبطالا أو قرابينا، وأمهاتنا مجبرات على أن يكبتن دمعة الفقد والعجز، وأن يخترن الموت على ألا يستجدين طاغية من أجل حرية أبنائهن.. لا أسئلة عن الجدوى إذْ لا خيارات أمام العسف، ولا مفر من الأثمان حين نريد الحرية، لقد قال علاء: „فلنكن عبرة إذن ولكن بإرادتنا“

أكتب هذه الرسالة بعد أن علَّقتُنَّ الاعتصام والإضراب وقد وصلت رسالة علاء الثانية، ثمة أمل في داخلي أنه سيخرج إلى الحرية إلى أهله وابنه قريبا..

خفت عليكِ، لقد انتابني الخوف بعد أول محادثة بيننا؛ ساعدني اللجوء والانكسار أن أسمح لنفسي بالاعتراف بالخوف والاعتراف برغبتي بالهروب مجددا ومجددا.. وبرغبتي أن يهرب الجميع، سألتني مرة صديقتي في بداية الثورة السورية ما الفائدة بعد الموت والخراب؟؛ ما الفائدة إذا متُّ أنا؟ يومها زايدت عليها وصرخت ورفعت سبابتي عاليا بخطبة عصماء، ثم صرت لاجئة وبقيَت هي عالقة في دوامة الرعب.. ولكن بعد سنوات حين أعادت صديقتي السؤال ذاته، اختلفت الأجوبة، وقراري اللاواعي في الهروب صار قرارا واعيا، لكنه بشكل ما ليس خارج جملة علاء: عبرة بإرادتنا!

لينة عطفة

Autor*innen

Datenschutzerklärung

WordPress Cookie Hinweis von Real Cookie Banner