Menu
Suche
Weiter Schreiben ist ein Projekt
von WIR MACHEN DAS

> Einfache Sprache
Logo Weiter Schreiben
Menu
(W)Ortwechseln > Lina Atfah & Nino Haratischwili > Schreib mir Nino, weil ich jedes Mal, wenn ich deine Worte lese, den Rückweg nach Hause finde – Brief 3

اكتبي لي يا نينو، ففي كل مرة أقرأ فيها كلماتك أجد طريق عودتي إلى المنزل

من لينة عطفة إلى نينو هارتيشفيلي - 05.02.2019 - الرسالة الثالثة

Übersetzung: Osman Yousufi

عزيزتي نينو،

عندما رأيت الصورة التي أرسلتِها، ارتجفت عظامي حرفيّاً، لوهلةٍ قلت: من أرسل لنينو صورة بيتنا في سلمية؟! وقبل أن أقرأ صرخت لعثمان: مستحيل! لا نشترك فقط بالتفاصيل البسيطة، إنها حياة كاملة ترسل خيوطها بيننا..

إطلالة البيت ليست فقط ما يطلّ عليه البيت من حدائق أو مقابر أو ساحات، بل كيف يبدو البيت من الخارج وكيف تبدو باحته الداخلية. كنت أجلس لساعات فيها، أتأمّل الشرفة والدّرج الحجريّ والدرابزين المعدنيّ، والياسمين المعرّش على الجدار والمعدن، أتأمّل شجرة البرتقال التي تبدو كجارةٍ فضوليّة تمدّ رأسها لتلقي التحيّة بنظرة فاحصة خبيرة سريعة.
الجدار عالٍ بحجارته الزرقاء التي تعود للفترة البيزنطية… دافئةً تلك الحجارة تقود خيالي إلى ذاكرة كلّ من لمسها أو مرّ بها.
لعبتُ مع الشِّعر في تلك الباحة، واقتسمت أسراري مع المكان، المكان أُلفة الروح.. „يولد الإنسان وحيداً ويموت وحيداً“، أما أنا فقد اقتسمت وحدتي مع المكان! كنت سليلة هجراتٍ طويلة، وهذا المكان أيضا سليل هجرات… أن تكون الحجارة طريقاً، ثم ترتفع لتصبح داراً، أليست تلك هجرة؟!

كانت شرفة بيتنا تطلّ على مقبرة، أمضينا سنوات طفولتنا أنا وأختي نلعب مع أولاد الحارة بين قبورها..
أن تحتضن البيوت مقبرة، بدا ذلك مصالحةً وثيقة مع الموت.
أولى خساراتي كانت عندما نقلوا المقبرة وأقاموا مكانها حديقة، أسميناها أنا وأختي «الحديقة الصلعاء» فمع بضع شجرات سرو ونافورة غير منجزة من البورسلين الأزرق! لقد كانت أفقر حديقة شاهدتها في حياتي، وكنّا دائماً نفتقد المقبرة..
من مكانٍ مليءٍ بالمتاهات والحكايا والحيوانات الصغيرة والأعشاب والورود الغريبة والأرواح، إلى مكان بائسٍ لا يصلح للّعب، ربما يصلح فقط للتأسي على الجبّانة!
كانت تلك أولى هجراتي: ضياع مكان طفولتي المفضّل..
هنا في ألمانيا، المقابر مرتّبة وجميلة وكاملة، لكنها باردة صارمة وغامضة.. مقبرتنا كانت مبهجة فوضويّة وصاخبة.
أفتقد المكان.. لقد خسرته قبل أغادر سوريا، خسرته لأنه تغيّر وابتلع معه ذاكرة كاملة …أفتقد المكان وعاداته.

في العودة إلى الصورة التي أرسلتِها لي وفي الصورة التي أرسلها لكِ في هذه الرسالة، سترين الشبه: مرآتان متقابلتان وحياتان تلعبان الغمّيضة وتضحكان كأن كلّ شيء بخير.

أفتقد المكان الذي في الصورة، كنت أتأمّله وأنا أشطف أرض الباحة، أتذكّر الماء يندلق من السطل، أتذكّر صوت كشّاطة الماء، أتذكر كيف كنت أدفع الماء ساحباً معه الغبار والأوساخ الصغيرة، ساحباً معه آثامي كلّها إلى البالوعة بغطائها الأصفر .. طششش!
أفتقد هنا والآن كثيراً هذا الطقس، شطف البيت وباحة البيت…لا بلاليع في البيوت هنا، أمسح الغبار وأراه على قطعة القماش الرطبة أسودَ وسخاً.. أرى ذنوبي وعذاباتي كلها.. وكم أحتاج يا نينو في هذه البلاد إلى سطل ماء كبير لأدلقه وأشطف ذاكرة كاملة من البؤس..
اكتبي لي يا صديقتي .. كلّما قرأت كلماتكِ، وجدت بها طريق العودة إلى البيت…

محبّات غامرات

ملاحظة: في المرفقات توجد صورة لبيتنا من مدينتي سلمية، صورة لباحة الدار التقطتها ابنة عمي سلام، وهي تسكن اليوم مع عائلتها في بيتنا بعد أن ارتكب تنظيم داعش مجزرة فظيعة في قريتهم المبعوجة القريبة من سلمية، ثم قام نظام الأسد بقصف القرية ورميها بالبراميل.. نجت سلام وعائلتها لكنهم خسروا كل شيء وصورة بيتي الآن بعيني ابنة عمي الناجية.

لينة

Autor*innen

Datenschutzerklärung

WordPress Cookie Hinweis von Real Cookie Banner