Menu
Suche
Weiter Schreiben ist ein Projekt
von WIR MACHEN DAS

> Einfache Sprache
Logo Weiter Schreiben
Menu
Weiter Schreiben Mondial - Briefe > Rasha Azab & Lina Atfah > Ein Brief an mich im Briefkasten meiner Nachbarin oder ein Falscheinwurf - Brief 2

رسالة لي في صندوق بريد جارتي - الرسالة الثانية

Übersetzung: Osman Yousufi aus dem Arabischen

© private, family and neighbors on the edge of the roof in 97. I rest my head on my arm.

عزيزتي رشا، ذهبت بي كلماتك بعيداً، إلى ذاكرة لم أجرؤ منذ زمن على الاقتراب منها.

وجدت نفسي أمشي عبر الحارات في شوارع ضيّقة ترابيّة مشوبة بالحصى والحفر وصولاً إلى بيت جدي، شاردةً على طول المسافة التي لا أستطيع حقاً تحديد إذا ما كانت طويلةً أم قصيرة، فالطريق كان مخاتلاً يناور الوقت حسب مزاجي.

أغمضت عينيّ على نجمة في سماء حكايتكِ وفتحتهما على نجومٍ كثيرةٍ في سماءٍ خسرتها.

حين يكون الخيال وسيلتنا الأخيرة للنجاة فإنّه يستحقّ أن يتجسّد على الورق وأن نحتفي به لأنّه أنقذنا وجعل الحياة ممكنة رغم كلّ شيء.

في ليالي الصيف كنّا نذهب إلى بيت جدّي لأمّي.
كان البيت يتكون من طبقتين، استثمر جدّي الطبقة الأولى من خلال تأجير الشقتين الصغيرتين والدكان وبنى في الطبقة الثانية ثلاث غرفٍ، غرفة له ولجدّتي وغرفة جمعت أبناءه التسعة وغرفة للضيوف، مع مطبخ وحمام صغيرين، وتبقّت مساحة واسعة أمام البيت دون بناء، تنبت في عدة بقع منها أعمدة حديدية لا تغلق الباب أمام احتمال إكمال البناء؛ ولأن بيت جدي كان في الطبقة الثانية فإننا لم نسمّ تلك المساحة فناءً ولا حديقةً ولا شرفةً، بل ببساطة كنا نقول سطح البيت. لقد كان سطح بيت جدّي امتداداً للبيت في عنادٍ مشاكس للفيزياء والطبيعة، تمتد على أحد جوانبه أوعية صفيحية كانت مخصصة للزيت والسمنة والجبن وبعد أن فرغت ملأتها جدتي بالتراب وزرعت فيها كثيراً من الورود ونباتات الزينة، وانتقت برميلاً من الصفيح لتزرع فيه دالية عنب.

في الصيف كانت خالاتي تشطفن السطح وتُخرجن الأفرشة والوسائد لننام تحت سماء قريبة متلألئة بالنجوم، كنت دافئة تحت اللحاف والبرد يلسع وجهي وعيناي يحرقهما النعاس وعدّ النجوم.
رائحة الصيف في ذلك المكان تمرُّ بذاكرتي فيرتعد جسدي وأكبح رغبة عارمة بالبكاء.
ماذا حلّ بالأمكنة التي تركتُها ورائي؟ ماذا حلّ بالناس الذين خلقوا ذاكرتي وأعطوني لجام الحياة في يدي؟
بيتُ جدّي صار الآن صالة عزاء لأهالي المدينة من أجل القيام بواجبات العزاء حين يموت أحد أبنائها.
لابأس، اعتاد أهل مدينتي كما في كثير من المدن السورية على نصب خيمة في الشارع من أجل العزاء واستقبال المعزين، لكنّ خيام السوريين منصوبة اليوم في أصقاع الأرض، ولا ضير إذا لعب البيت الآن دور خيمة عزاء.
أما بيت جدّي لأبي، بيت أهلي الذي وُلدتُ فيه، فقد سكنه عمي وعائلته بعد نزوحهم من قريتهم إثر هجوم لتنظيم داعش.
لطالما قلت إن الأقدار تدور، صرنا لاجئين وبيتنا احتضن لاجئين أيضا!
أتذكّر سطر محمود درويش الشعري: (لماذا تركت الحصان وحيدا؟ ـ لكي يؤنس البيت يا ولدي فالبيوت تموت إذا غاب سكانها)
بيوتنا مثلنا لم تمت تماما بل تبدّلت وتغيّرت وتقلّبت في غيابها عنا وغيابنا عنها وفيما يخلقه الغياب من هويات وحكايات.
أغمض عينيّ على نجمة تلتمع في سطورك فأرى الكون عميقا شاسعا معتما، رهبة تجعل القلب يرتجف، ثم تكسرني الأسئلة الوجودية اللانهائية والعجز أمام كل ما حدث ويحدث.. هروبي من بلادي، ذهول الخسارة والخسارات، والأثمان التي مهما كانت باهظة فإنها مهدورة أمام العسف.

أتألم وأهرب إلى حديقة قريبة من بيتي الجديد في مكاني الجديد، أتأمّل صخب الإوز وهو يتدافع بالأجنحة والمناقير من أجل قطع الخبز، وأبتسم للوقت للخسارة للحياة.. أقبل الأشياء بهدوء.. بدمعة وبكلمات أكتبها لتنقذني..

كان عليّ أن أنجو.. لذا صارت كلمة (وطن) بالنسبة لي كلمة ثقيلة على القصيدة، رومانسية هشّة وربما فارغة.. إنّها وهم..

ضباب على القلب يمنع عنا رؤية الحياة خارج سور تلك الحروف.

ما هو البيت؟ هل هو بيت الطفولة الأوّل أم البيوت التي ننتقل إليها وتحتضن حيواتنا؟

هل هو البيت أم الطريق إلى البيت أم السماء المطلّة على البيت؟

بدّلت بيتي في ألمانيا مرّتين ولم أحسّ بأيّ فقد.. في سوريا كان يكفي أن نصعد طابقاً في البيت ذاته، وأن تكون لي ولأختي غرفة خاصّة وأن ينقلوا الجبّانة قبالة البيت ويضعوا مكانها حديقة لأحسّ أني تغرّبت وابتعدت وانكسرت قطعتين.

كلما ابتعدنا عن البيت كلما صار الحنين أليفاً خفيفاً.. حتى تصبح الأرض كلّها بيتنا..

قرأت أنّ النحل إذا ابتعد أكثر من سبعة كيلومترات عن خليّته فإنه يتوه ولا يجد طريق العودة إليها أبداً.

لقد ابتعدت عن البيت خمسة آلاف كيلومتر.

لا أحنّ إلى شيء ولا يوجعني شيء سوى الذكريات حين تصير كوابيسا.

في كلّ مرّة أجد نفسي عالقة في بيتنا في سلمية وقد أضعت جواز سفري، عاجزةً عن الخروج، خائفةً وأبحث عن عائلتي في غرف فارغة. أستيقظ وأبكي.
تخيّلي، أمس حلمت بأنّ صديقاي شاعراً ألمانياً وزوجته قد أضاعا جوازيّ سفرهما الألمانيّين وعلقا معي في بيتنا في سلمية، كان المنام فيلم رعب، كنت أحلف لعناصر المخابرات أنهما ضيفان ألمانيان وأنه يجب أن يغادرا إلى بلدهما.

كنت أقول دائما ً إن الخسارات تمنحنا الحرّيّة ونعمة القبضة المفتوحة.. لكنني لن أحصل على حرّيّتي كاملة طالما الخوف يطاردني في المنام. أحاول أن أستأنس الخوف،أكتب رسالة له كلّ يوم قبل النوم.

الكوابيس صارت أقلّ نوعاً ما، والكتابة التي عاندتني صارت تتدفّق الآن، ولكن من قال إنّ الكتابة للخوف تستأنسه ومن قال إنّها حاجة الروح العميقة.
إنّ ما يروّض الخوف هو الكتابة لصديقة..  يا صديقتي رشا، رغم أن ساعي البريد وضع رسالتك في صندوق بريد جارتي إلا أنها وصلتني؛ أغمض عيني على نجمتك اللامعة، على النهر والصحراء والبيوت والحكايات والسطور البديعة التي كتبتها لي، فأمسك الخوف كالقط من فرو رقبته وأكتب حكايتي التي لطالما أضعتها في البحث عن إجابات.

لينة عطفة

Autor*innen

Datenschutzerklärung

WordPress Cookie Hinweis von Real Cookie Banner