Menu
Suche
Weiter Schreiben ist ein Projekt
von WIR MACHEN DAS

> Einfache Sprache
Logo Weiter Schreiben
Menu
Europa Weiter Schreiben - Briefe > Rasha Alqasim & Abdalrahman Alqalaq > Darf niemand mehr Süßwaren kaufen, nur weil Krieg im Land ist? - Brief 2

ألا يحق للإنسان أن يأكل الحلويات، بينما تشتعل الحرب في البلاد؟ - الرسالة الثانية

Übersetzung: Günther Orth aus dem Arabischen

© Abdulrahman Alqalaq

عزيزتي رشا، هل أبدأ رسالتي بـِ عزيزتي رشا…أم بـِ عزيزتي الغريبة؟

أنا أيضًا أظنّ أن السفر يجعلنا نثق بمن قد يرانا كما لا يرانا الذين نعرفهم، أو بما قد يجعلنا نحسّ وكأن لدينا الآن فرصةٌ لنصير الشخص الذي نريد، حينما نختلق أمام غريبٍ ما نشاء عن وجهة سفرنا ومن أين أتينا!
لكن متى يصل الناس إلى درجةٍ في علاقتهم ببعضهم، يقولون فيها، توقفنا الآن عن كوننا غرباء؟
مهما حفظنا من أسماء الآخرين، وحفظ الآخرون أسماءنا وألفنا ملامح وجههم وبعض تفاصيل حياتهم، وألفوا بعض التفاصيل عن حياتنا، نظل في العمق جميعنا غرباء، وهذا شيءٌ طبيعي! فبعيداً عن هويات الإنسان أو انتماءاته الثقافية أو اللغوية أو العرقية التي تحدّد أزمنة غربته وأمكنتها، هناك شيءٌ قابعٌ في كلٍّ واحدٍ منا يجعلنا غرباء وسط أصدقائنا، ووسط لغاتنا، دون أن نضطر حتى لمغادرة حياتنا والاغتراب عما نعرف ويعرفنا. فكرتي عن الغربة كحاجةٍ إنسانيةٍ طبيعيةٍ لم تعد تدهشني أو تزعجني منذ أن اعتدتُ التنقل بين مدن الشمال والجنوب في ألمانيا، دون أن تجعلني مدينةٌ حبيس علاقتي بها وبسكّانها. لكن الذي يدهشني عكس ذلك، هو ألا يكون المرء قد جرّب أن يكون غريبًا ولو لمرةٍ واحدة في حياته دون أن يغادر منزله أو بلده أو لغته!

فيا عزيزتي رشا،
الغريبة مرّتين… إلى أن تحظي بلحظةٍ يغيبُ الغيابُ عنها!

أشكركِ على رسالتك التي جعلتني أستحضر العراق أمام عيني. رغم أن العراق التي أعرفها ليس لها صورةٌ بل صوت! عرفتُ صوتَ العراق قبل سنواتٍ طوال مِن شابٍ كان قد جاء مع عائلته إلى دمشق إثر الغزو الأميركي، لينضم فيما بعد إلى إحدى كورالات الغناء في دمشق، التي كنت مشاركًا فيها. كان يدعى مهنّد. ومع أن صوت مهند هو صورة العراق بالنسبة لي، إلا أنني نسيته منذ عشر سنوات، إلى أن بحثتُ عنه على الفيسبوك مطلع شهر أكتوبر عام 2019، عاد مهند إلى ذاكرتي مع أخبارمظاهرات العراق العارمة آنذاك. كنت أحاول تذكر وجهه الأسمر، مثلما أتذكر الآن صوته العذب „الفُرات“، وأقول ربما نسيت اسم عائلته الصحيح، فأكتبه مرةً ثانية ثم أمسحه خوفاً من أن أجده بين أسماء من وقعوا قتلى في المظاهرات التي انتهت مقموعةً بالرصاص الحي وبالقنابل المسيلة للدموع والاعتقالات العشوائية. كان مهند كلما انتهينا من البروفا يدندن على عوده ويغني: „يا نبعة الريحان حنّي على الوَلهان / جَسمي نَحَل والرُوح ذابَت وَعظمِي بان“. لا أتذكر وجه مهند. كيف يمكن للإنسان أن يتذكر صوت شخصٍ أكثر من وجهه؟

تحدّثينني عن غربتك بين البيوت ووجوه أهلها والبلاد واللغات! نعم، هي مجرّد أفكارٍ نبنيها، ونظلّ نطارد فيها سرابًا نسميه: حنينًا، أو ندمًا، أو شوقًا، أيًا كان اسمه، بمجرّد أن أتحدّث عنه هنا في الأوساط الثقافية، يظلّ مرحباً به، لأنه غير مفهومٍ – بشكلٍ مثيرٍ للاهتمام. لغته تتصفّ بالفرادة، لأنها غريبة.

تحدثينني عن البيوت والبلاد! فأشتاق أيضًا لأشياء كنت أحاربها، يسألوني عنها في كلّ أمسية، مطالبينني على الدوام بالبحث عن أجوبةٍ لأسئلةٍ لا علم لي بها في جغرافيا وسياسية وتاريخ وسيكولوجيا كل الأمكنة التي جئت منها. يسألونني عن شعورٍ أدعوه بالحنين إلى ما لا يمكن العودة إليه، دون أن يعلموا أن هذا الشعور بكل اكتظاظه بالصور والأغاني والروائح والأماكن – هو شيءٌ خاوٍ، لا قدرة له على إجابة تلك الأسئلة. لأن هذا الحنين لا يستطيع إحاطة مكان حاضرًا أو ماضيًا، بل يهيم في ذاكرتي وحدي حول الأمكنة والبيوت، كما رأيتها أنا، وكما هُيّئت لي، أو كما اشتهيتها أن تكون في عالمٍ تصير إليه.. لكن في ذاكرتي فقط!

تدهشني ذاكرتي أحياناً، وأنا الذي أنسى أسماء الزملاء وأرقام البيوت والهواتف، حين أكلّم أصدقائي في دمشق أحدّثهم عن تفاصيلٍ، لم يلمحوها في وجه المدينة قبل ذلك، أو نسوا وجودها تماماً، أو لم تعد موجودةً أساساً في المدينة منذ زمن. إلا أن الزمن لم يمض بالنسبة لي. صحيحٌ أن أكثر من عاشوا تلك الحرب ظلّوا حبيسي إيقاعها، الذي لم يغيّر مِن سرعته حتى بعد أن خمدتْ نار الطائرات في عظام الشجر والناس وجفّ دم المتظاهرين في أصص الأزهارٍ على „بلكونات“ دمشق الرمادية، الفارغة إلا من التراب؛ رغم ذلك أجلس اليوم في مقهىً على حافة شارعٍ وسط المدينة المزدحمة وأكتب عن دمشق بامتياز من يعرفها. وفي الحقيقة لم أعد أعرف شيئًا، وكلّ ما أقوله عنها ذاك المكان صار مرتبطًا بما يدعوه الجميع هنا بالحنين.
كل تلك الصور التي تحدثت عنها يوماً في نصي „فلاش باك“، أحد أولى النصوص التي كتبتها هنا في ألمانيا، هي صورٌ تخص ذاكرتي وحدها. الذاكرة التي رأت الحربَ من عيني أنا. قد تكون الحرب قد انتهتْ اليوم في دمشق، وانتقلت من أزمة موتٍ عنيف إلى أزمة ماءٍ وكهرباءٍ، من أزمة موتٍ بالرصاص إلى أزمة انتظارٍ مُميت. إلا أنها لم تنته بالنسبة لي! بالنسبة لي، دمشق بقيت مدينة الحرب الأبدية! وفي هذا غطرسةُ البعيد وجهله، فكيف لي أن أتحدث عن مدينةٍ يسكنها قرابة الثلاثة مليون إنسان، بينما أنا جالسٌ هنا أفترض أن ما من حياةٍ يوميةٍ عاديةٍ في الحرب! لماذا أظهر البعض تفاجؤهم واستغرابهم حينما نشر عضوٌ من حزب „البديل من أجل ألمانيا“ اليميني المتطرّف صورةً لشارعٍ مزدحمٍ بالمارة وببائعي السكاكر الملونة في دمشق القديمة؟ ألا يحقّ لشابةٍ هناك تعمل ليل نهارٍ أن تشتري ثوباً جميلاً تتمشى فيه فيما تبقى من شوارع سوريا؟ ألا يحق للإنسان أن يتمشى ويأكل قباقيب السكر الملونة، بينما تشتعل الحرب في البلاد؟ هل شعروا بالخذلان أن دمشق لم تمت بعد تماماً مثلما تموت المدن في الروايات الملحمية؟

في كل مرةٍ أكتب اليوم عن دمشق، تخيفني رغبةٌ دفينةٌ بالاستحواذ على زمانية الحرب وتحنيطها في اللغة، دون إعطاء فرصة للنص لأن يستحضر مشهداً وحيداً، لا يدّعي لحظةً حامية، أو كلمةً بعيدةً عن فوضى الحرب واضطراباتها.
كلمة الحرب، أنّما جاءت، تهمّش العذابات الكبرى التي يعاني منها الإنسان، سواءً كان محبوسًا هناك أم منفيًا هنا. إنّ اليقين بوجود تلك المفردة في قصائد ونصوص من جاؤوا من „مدن الملح“ يشبه شعور المفاجأة أمام صورة دمشق „الحية“ بألوان قباقيب السكر. كما لو أنّ الأدب -بالمعنى الجمالي- أضعف من أن ينفكّ من هذا المصطلح!

أتساءل أحيانًا إن كانت القصائد التي تُكتب اليوم عن سوريا مسموعة بسبب صراخها أو من شدة ما تبدو رائحتها أقرب لرائحة الإطارات المحترقة! ربما لا فكاك من هذا الأمر ما دامت كلمة الحرب موجودةً في النص. حتى وإن أخرجها الكاتب من حرفيّتها، لكن استعاراتها وتوليفاتها تظلّ متربصةً في النص، أشبه بهدير الطائرة الذي وصفتهُ في نصٍ قديمٍ: كأنه صوت ثلاجةٍ متهالكةٍ من طراز أوكا، اعتاد أهل البيت على سماعها، ولم يستطيعوا بعد اللجوء في بيتهم الشمالي أن يناموا إلى أن حصلوا على ثلاجة تصدر صوتا مشابها عبر موقع الـ eBay!
هل نقدر على ذكر كلمة „الحرب“ في نصٍ ما دون أن يطغى كيان الكلمة على الشعر والمعنى؟

عبد الرحمن القلق

Autor*innen

Datenschutzerklärung

WordPress Cookie Hinweis von Real Cookie Banner