صباح الخير عزيزتي زابينه،
إنها السابعة صباحاً، أكتب لك رسالة أخيرة وفي ذهني تختلط الفترات الزمنية التي كتبت فيها الرسائل إليك، إنني الآن مشبعة بالصور والذكريات التي مرت بسرعة خاطفة، مع إن الزمن قُضي بين الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي هذا العام، ولكنه مَرّ ومعظم الأيّام فيه أصبحت صوراً في الذّهن. ليتنا نستطيع أن نبدأ كل شيء من نهايته، تماماً مثل طريقة كتابة القصة التي أخبرتني عنها، البداية من النهايات شيء يتناسب مع أحداث هذا العام العجيب بوقائعه، ثمة أحداث لابد أن تبدأ الكلمات بنسجها من آخرها حتى تكون قابلة للتصديق، وهناك أحداث بطيئة لابد أن نمر بها بمهارة مثل حركات رقص (الفالس) أما الخوف من الوقوع أو الدوار فلابد أن نواجهه عيناً بعين، فلا نرى الأحداث حولنا ونبعد بذلك الهواجس، حتى نقدم أجمل رقصة احتفالا بالحياة في نهاية العام.
الطقس هنا بارد قليلاً، تغيب المدينة وشوارعها وجسورها والأزقة في الضباب في أولى ساعات الصباح، أفتح نافذتي لاستنشق هواء الصباح النقي وأشم رائحة الخبز من الباحة الخلفية لجيراننا، معظم الناس هنا يحبون أن يخبزوا في البيت رغم تنوع الخبز في الأسواق، لكنهم يفضلون الخبز البيتي. تبدأ المرأة التي تجيد الخبازة بصنع العجين عند الفجر، وبعد إن يختمر تخرج إلى جارتي إلى الباحة الخلفية حيث التنور، وتصنع كرة متوسطة الحجم، ثمّ تفرشها على وسادة إسفنجية مغطاة بقماش ناعم ونظيف وتلصق عجينة الخبزة على جدار التنور، تخرج دائرية الشكل مُحمّرة شهية للغاية، فتصل رائحتها إلى البيوت المجاورة، وإن كان في البيت صغار، تصنع النساء خبزة صغيرة بحجم كف اليد وتسمى هذه الخبزة باللغة الشعبية لدينا (حنانه) ومن الممكن أن نضيف اللحم والخضار المفروم على العجينة ونخبزها لنقدمها إلى الضيوف، خبز التنور والسمك البِني المشوي ألذ وجبة طعام في مدينتنا وهذا النوع من الأسماك الشبوطية في الأهوار القريبة منا لونها مائل للبني والذهبي و يصل طولها إلى 56 سم ووزنها 4 كغ نقدم هذه الوجبة مع المخللات المصنوعة أيضا في البيت عادة لكل الزائرين. نتناول نحن هذه الوجبة أيضا يوم الأربعاء، يوم تناول السمك، يعتقد الناس هنا أن ذلك يجلب الرزق، وبعد تناول السمك لابد من تناول حبات من التمر، فالعراق مشهور بوفرة النخيل وأنواع التمور فيه حتى أننا نصنع من التمر أنواعاً كثيرة من الحلوى، ورائحة الحبة الحلوة التي تضاف على أشهر أنواع الكعك لدينا (الكليجة) ترتبط بشكل مباشر بمساء اليوم الذي يسبق العيد.
أعتقد أن قوائم الطعام البلدان المختلفة تربط وتعرف الناس ببعضها، إعداد وجبات الطعام في العراق تتحكم به النسوة بشكل يومي وروتيني، عندما أعبر من قرب كراج السيارات في مدينتنا تفوح رائحة الخبز المصنوع بالأرز مع البيض المحمص أولى ساعات الصباح، تصنعه سيدة قروية ماهرة لتطعم المسافرين المغادرين للمدينة. أما رائحة عصير العنب غير الناضج تذكرني بالنسوة في إيران، فهناك بعد أن تقوم النساء بعصر الحصرم، يضعنه في قوارير زجاجية على حواف النوافذ تحت أشعة الشمس لعدة أشهر فيتركّز طعمه، يستخدم هذا العصير لإضافة نكهات حامضة على الطعام أو السلطات. قبل فصل الربيع هناك نبات ينمو وينضج في الأراضي الجبلية بلا رعاية يُسمّى (ريواس)، كنا نحن الصغار نقتلعه من جذوره ثم نقشره و نأكله طازجا، له طعمٌ حامضٌ وشهيٌ، بعض الناس هناك وبالأخص في مدينة نيسابور يضيفون عليه السكر ويشربونه كالعصير الطازج، ليت باستطاعتي أخذك معي إلى كل هذه الأماكن ونتذوق كل شيء عن قرب! ولكني الآن لا أملك غير أن أصطحبك في جولة ما بين الكلمات عسى أن أزيل عنك بعض إرهاق الكتابة!
كوني بخير سيدتي، ولا تنسي الاعتناء بنفسك، فمن حولك بك أقوياء
المحبة دائما
مريم