Menu
Suche
Weiter Schreiben ist ein Projekt
von WIR MACHEN DAS

> Einfache Sprache
Logo Weiter Schreiben
Menu
Weiter Schreiben Mondial - Briefe > Bilqis Soleimani & Omar Al-Jaffal > Um zu leben, greifen wir zur Beschönigung der Geschehnisse – Brief 4

لنعش، نلجأ إلى تجميل ما يحدث - الرسالة الرابعة

Übersetzung: Kerstin Wilsch Aus dem Arabischen von

Bild eines Olivenbaumastes durch ein Fenster © Losar de la Vera/Flickr – Creative Commons Attribution-Share Alike 3.0 Unported
© Losar de la Vera/CC BY-SA 3.0 (modified)

عزيزتي بلقيس،
قلقت عليكِ، اختفيت تماماً منذ رسالتكِ الأخيرة.
يوم وصلت رسالتك، كنت قد التقيت مُنى، صديقتي التي أخبرتك عنها، وكانت يائسة هذه المرّة على عكس ما كانت في الأشهر الأخيرة. „لن يحدث تغيير“، قالت.
„إنهم وحوش“.
„لن يتركونا نعيش“، أنهت جملتها، وصمتت.
أتابع الاحتجاجات في إيران منذ بدايتها. أشاهد الفيديوهات والصور، وأترجم الصحف الإيرانية على „غوغل“ ساعياً للحصول على صورة كاملة للأحداث. لكن وجه مُنى كان وحده ما يُقدّم لي فكرة عن تُقدّم المحتجين أو تراجعهم أمام وحشيّة النظام المُفرطة! مُنى لم تنم لأيام وهي تتابع الأخبار. لم تترك مظاهرة في برلين إلا وشاركت فيها، حتّى وإن كان فيها ١٠ أشخاص فقط.
وعندما قرأت رسالتكِ، كان هناك ما يربط بين كلامكِ وكلام مُنى، هدف وكأن الجميع أجمع عليه: „العَيش“. أنت تتحدثين عن المتظاهرين وتقولين إنهم يريدون „العيش“، ومنى قالت إن النظام لن يترك الناس تعيش. و“العيش“ صار همّنا الوحيد ، منذ عام ٢٠١١ وأغلب البلدان العربيّة تسعى للإمساك بهذا „العيش“. تظاهر شبّان عراقيون عام ٢٠١٩ مطالبين به، لكن الجميع، كلّهم، لم يحصلوا إلا على عنف مُغرق بوحشيّته.
يدفعنا كل هذا للعودة إلى السؤال الذي طالما ردنناه في حياتنا: „هل ننجح؟“ هل نستطيع عيش يومياتنا من دون خوف أو تهديد أو رعب من قادم لا نعرف ما هو تحت ظلّ أنظمة سلطوية تزداد بطشا؟!

عزيزتي بلقيس،
الحكاؤون، مثل والدكِ، لو كانوا كتبوا كتباً لتغيّر -ربما- مسار ما نقرأه اليوم من كتب. سَحَرة، مهمّتهم أصعب من مهمّة الكاتب. لدى الكاتب مساحة للتفكير بما سيفعل، أما الحكاؤون فإنهم ينتظرون نتائج عملهم فور أدائهم. عليهم التفكير بحبك القصّة وبناء الشخصيّات وتأديتها، كل ذلك في آن واحد.
الكاتب أقلّ مقدرة على جمع كل هذه الأفعال سويّة.
لكن تركوا أثرهم في الكتب. لن نستطيع إحصاء عدد الكُتّاب الذين تأثروا بقصص أمهاتهم و جداتهم أو حتى نساء أو رجال غرباء. أعرف كاتباً عراقياً مولعًا بوالده، ويكاد يكون كلّ نص كتبه مستوحى من حياة „العزيز“، كما كان يسميّه. أكان مأسوراً بوالده الذي يشبه أي والد آخر، أم بوالده الذي يمتلك ميزة عن الجميع، وهي الحكي، والقص، ودفع الجميع إلى الانصات؟
الحكاؤون سَحرة يمسون من حولهم ويحولونهم إلى مُغنين أو كتاب أو راقصين. كل هذه الفنون تسعى إلى حكاية القصّة الأولى، القصة التي سمعها فنانوها من الحكائين.
الحكاية مس، ولا استغرب أن والدك كان دافعك إلى الكتابة، ونسج القصص، وبناء الشخصيّات. بحثت عن كتابك على الانترنت علّني أجده مترجماً إلى العربيّة، لكني للأسف لم أجده. كنت سأسعد كثيراً بقراءته.
أنا لم أُحط برجال حكائين أبداً، لكن، وعلى العكس من ذلك، أُحطت بنساء حكاءات، يحكين القصص بأدق تفاصيلها، وينقلنها بأكثر التفاصيل والأحاسيس حميمية
كانت جدّتي أوّل الحكاءات في حياتي، ولم أقابل أفضل منها بعد. كان يمكنها قصّ حكايات سوداوية ومُرعبة ولكنها، وبالبراعة نفسها، كانت تسقط من حولها أرضاً ضحكا إذا ما روت موقف كوميدي.
وكان لها أثر كبير على الأطفال، إذا ما قالت إنها ستروي قصّة، فإننا نتجمع حولها بنصف دائرة، وأنفاسنا تكاد تنقطع خشية مقاطعتها.
بعد القصّة، كانت تفتح باباً لنقاش دوافع الأبطال لأفعالهم، ولم تكن تبدي رأياً بأي تفسير. كانت كمحاضر في كامبردج يمنح طلابه درساً بالأخلاق والقرارات وعواقبها.
كانت جدّتي أمية، تُحرق كل كتاب غلافه أحمر. خشيت من سلطة صدام حسين طوال حياتها، وبقيت تحاول مسح أي أثرّ قد يجر أهل ببيتها وأولادها إلى محابس النظام.
عندما زارتنا في سوريا عام ٢٠٠٥، كانت كوّمت عدّة كتب بأغلفة حمراء لتحرقها. كانتفي غالبها الأعمال كاملة لشعراء عراقيين طبعتها دار تعتمد اللون الأحمر لأغلفتها المقواة. „كتب الشوعية (هكذا تلفظها) ستجلب البعثيين“، قالت.
بعد انتقالي للعيش في ألمانيا، أتيحت لي الفرصة للتفكير بجدّتي وأثرها عليّ، قبل ذلك كانت صورتها تأت لماماً، هنا وهناك، لكن ليس بهذه المشهدية الواضحة.
أهو أثر العزلة؟ أهو غياب الناس الذي يدفع المرء إلى التفكير بماضيه لعدم وجود الكثير مما يدعو للتفكير في الحاضر؟ يعيش الأعزل في ماضيه، أما حاضره فهو غرفة أوكسجين تبقيه متجوّلاً في التاريخ، هائماً في تفاصيله التي يكتشف الكثير من جوانبها وكأنّها تحدث الآن فحسب.

أنا أيضاً، يا بلقيس، كنت في السابعة عشر عندما وصلت إلى الكتابة. كانت جزيرة فسيحة وأنا عطشان. أردت كتابة كل شيء. لم أفعل غير الكتابة. لكني كنت أقارن ما أكتب بما أقرأ فاحذف كل شيء.. وهكذا بقيت في دوامة لمدّة عام.
فشل ذريع!
كنت أُقيم حينها في سوريا. كان لدينا غرفة خارج المنزل من المفترض أن تكون لنا، أخي وأنا، لنلتقي فيها أصدقائنا. لكننا هجرناها، بيد أنها صارت أيام الكتابة ملجأي.
تطلّ الغرفة على شجرة زيتون عملاقة ووافرة ألوانها تتغيّر بشكل مذهل بتغيرات الفصول وأشعة الضوء الساقطة عليها. لم تملّ هذه الشجرة يوماً من استقبال الأعشاش الجديدة. أُثقِلَت بفراخ تمط رقبتها وتعلوا برأسها لتأكل، ومن ثم لتكبر وتطير وتكتشف الدنيا وربما تعوديوما ما. .
لم يكن الانترنت في ذلك الوقت شائعاً داخل البيوت لاستكشف ما يُنشر من جديد في العراق، لكن والدي كان يمتلك مكتبة كبيرة، وكنت أقرأ كل شيء وأي شيء. وبدأت القراءة بأكثر جيل كتب بغموض وتلغيز. جيل حرب الثمانينات الذي أخبرتك عنه في الرسالة السابقة.
كانت الشجرة الوافرة دائماً، الحيّة وكأنّها مؤبدة بعروقها الغليظة، تذبل شيئاً فشيئاً أمام عيني. أصبت بهوس لفهم ما حصل في تسعينيات القرن الماضي، عندما أجبرنا على الجوع، على نكران آدميتنا، لننجو ليوم آخر أخير.
وكنت أقرأ لشعراء هذه المرحلة.
كان شعر جيل التسعينيات الشّعري أفقر لغوياً من شعر الثمانينات -الجيل الذي خاض الحرب- لكنه كان أكثر رقّة، مغرق في انكساره، ساخر بأسود سواد العالم.

كثيراً ما سبقني الذباب
إليك
أيتها الأيام الحلوة
عبد الأمير جرص، توفي بحادث سير في كندا وهو في الثامنة والثلاثين من عمره.

أحبّ هذين الجيلين، أكثر ما قرأت انكساراً في حياتي.

لكن، يا بلقيس، كان غالبية هذين الجيلين من الرجال، والنساء يُعدّن على أصابع اليد الواحدة. العراق، للأسف، شحيح في عدد الكاتبات. عندما سنحت أي حريّة لتحرّك المرأة داخل البلاد، كانت النساء يلجأن إلى السياسة والعمل الاجتماعي، وقد نجونا، في مرّات عدّة، لأن النساء هن من تسلّمن زمام الأمور. أثناء الحرب أدرات النساء كل شيء، وخلال التسعينيات، عندما أطبق الجوع بكلاباته الشديدة علينا، كانت النساء، وحدهن، من أنقذنا. أخرجن مواهبهن وعملن. خياطات، خبازات، طباخات، صانعات سجّاد وألبان. كل امرأة في كل منزل كانت تطوّر مهنة شاقّة لإنقاذ عائلتها. بمقابل هذا، أعتقد أن الطبيعة الذكورية للمكان الثقافي -أقصد المقهى والبار والنوادي- حالت أيضاً دون ظهور كاتبات نساء كثيرات. هذه الأماكن مغرقة في ذكوريتها حقّاً.
حتّى خلال حرب الثمانينات كتب بعض الشعراء كتباً كاملة وهم في الجبهة، وبعضهم في الخطوط الأمامية، لكن النساء! أي حروب يوميّة خضنها لدرجة أبعدتهن عن المشاركة بفاعلية في حركة الكتابة والنشر؟!
بالطبع، لدينا كاتبات رائعات. أحب إحداهن كثيراً. اسمها إنعام کجه جی، وقد قرأت قبل فترة أن بعض كتبها تُرجمت للفارسيّة. أتمنى أن يكون المترجمون قد نقلوا الموسيقى الساحرة في لغتها، وتمكنوا من إيجاد طريقة لترجمة مُفارقاتها اللغوية الجميلة.

عزيزتي بلقيس،
أنا أتفق تماماً معك بخصوص الرقابة.
لنعش! نلجأ إلى تجميل ما يحدث. نذهب إلى „التحدّي“ ونقوله له: هيا لدينا مهمّة. وهكذا كتب أدب كثير تحت سلطة الرقيب والرقابة الذاتية. نجحت تجارب بالالتفاف على الرقباء، سقطت تجارب أخرى، أو ربما بقيت ناقصة بانتظار أن تُكتب مرّة أخرى، أو تقرأ بشكل أعمق مما قرأت.
امتداح „الأسى“ مُزعج أيضاً. يُطلب من الكتاب أن يكونوا „فقراء جيدين“، ليكونوا كُتّاباً رائعين.
لكن هذا هُراء محض!
الجوع مثل الفايروس، عندما ينتشر يُسبب فقراً مادياً ومعنوياً وروحياً. لا أحّد يجب أن يُجرّبه، ولا أن يمتدحه مُطلقاً.

عزيزتي بلقيس
الرقباء، رغم سلطتهم، إلا أنهم لطالما كانوا مثاراً للضحك. عشرات القصص أعرفها عن الرقباء، وغالبها مضحك. كان أحد أصدقائي يقول „من يرض بوظيفة الرقيب غير كاتب فاشل، وقارئ سيء؟!“.
أنا سعيد بأنك، في النهاية، طبعتِ الكتاب، وبأربع نهايات مُختلفة. سأُحاول الحصول عليه.
أرجوكِ اكتب لي عندما يتاح لك الوقت، سأسر كثيراً بسماع أخبارك وما تعملين عليه.
كل التحايا
عمر

Autor*innen

Datenschutzerklärung

WordPress Cookie Hinweis von Real Cookie Banner