Menu
Suche
Weiter Schreiben ist ein Projekt
von WIR MACHEN DAS

> Einfache Sprache
Logo Weiter Schreiben
Menu
Europa Weiter Schreiben - Briefe > Omar Kaddour & Widad Nabi > Das Nördliche Breitmaulnashorn - Brief 3

وحيد القرن الأبيض الشمالي - الرسالة الثالثة

Übersetzung: Larissa Bender aus dem Arabischen

© Widad Nabi
© Widad Nabi

العزيز عمر،

أنظرُ من نافذةِ بيتي في برلين إلى لحديقة الداخلية الصغيرة التي تتوسّط مجموعةَ بناياتٍ سكنيّة. بدأ اللونُ الأصفر بتدرجّاته اللونية الجميلة يغزو أوراقَ الشجر، قطراتُ المطر تلمعُ على أغصانِ شجرةِ الحور الطويلة، وسنجابٌ صغيرٌ يتسلّقُ شجرةَ البلوط محاولاً الهروب من البرودة التي خلّفها المطر، إنّه الخريف، ورائحته تملأُ الأرضَ وذاكرتي. فكلُّ خريفٍ إعلانٌ من الأرض لفقدٍ جديد. فناءٌ كليٌّ يتبعهُ ولادةٌ جديدة. وكلُّ هذه التداعيات تعيدني للمكانِ الضيّقِ الذي هربنا منه، إلى حلب.
إذا كان السنجابُ الذي في الحديقة يتسلّقُ الشجرة فأنا أتسلّقُ ذكرياتي القديمة، ألتقطُ حبّاتَ البندق المرّة والحلوة معاً، وأعودُ إلى الوراء حوالي ثمانية عشر عاماً.
في خريفِ ذلك الزمن وتحتَ مطرِ حلب ذهبتُ لزيارةِ والدك الذي كان معلمي وصديقي في بيتِ العائلة. في ذلك البيتِ شاهدتُ مع والدك ألبوم صورِ العائلة، كنتَ في إحدى تلكَ الصور، قال هذا عمر.
فراح ذهني فوراً إلى الكتابة، شعرت بصلةِ قربى معك لكونكَ كاتباً. وكنتُ حينها في بدايات الكتابة. لكنَّ خيطاً ما امتدَّ بيننا في ذلك الخريفِ البعيد في حلب إلى اليوم في برلينَ وباريس ليصل فيما بيننا بعد كلِّ هذه الأعوام. إذاً لم نلتقِ في المدينة الضيّقة، لكنّنا التقينا على صفحاتِ هذه الرسائل، كأنّنا نكملُ حديثاً قديماً في إحدى مقاهي حلب أو في بيت عائلتك. لربّما اللغة أيضاً رحم جماعي مشترك للبشرية، ونرتبط بصلة ما من خلالها نحن الذين نمتهن الكتابة.
أتعرفُ يا عمر، ربما الحديثُ عن المدنِ الأولى مثلَ المشي في حقلٍ مملوء بالعظام، عظامُ أحبّتك، وسرعان ما ستتعثّر هنا أو هناك بذكرى عزيزٍ ما.

أعودُ لسنجابِ الحديقة وهو يقترب من سنجابٍ آخر، وكم آملُ أن يكبر طفلي وطفلتك ويريا هذه الكائنات الجميلة وغيرها تلعب في حدائق وغابات هذا العالم. فالأخبارُ التي تملأ صفحاتِ الجرائد عن تغير المناخ وأزمة التنوّع البيولوجي واختفاء الغاباتٍ الهائلة تثير بداخلي خوفاً كبيراً، خوفاً يتعدّى المكانَ الضيّقَ الذي هربنا منه، ويمتدُّ إلى كلُّ مكانٍ في هذا العالم.
لأيام كنتُ أتابعُ حزينةً مع ملايين الناس صورَ وحيدِ القرن الأبيض الشمالي وهو يموتُ وحيداً، بعيداً عن أبناءِ نوعه، هل كان يدرك مصيره كآخرِ ذكرٍ لكائنٍ من نوعه على هذه الأرض. كانُ موتهُ وحيداً على شاشاتِ التلفاز وصفحاتِ الأخبار يذكّرنا بمصيرٍ مشابه لو لم نتداركِ الأمر. لقد كان مجرَّد بروفة صغيرة لجنسنا البشري.
أتابعُ منذ سنواتٍ عشرات الأفلام الوثائقية عن كوكبنا وأشعرُ بألم حقيقي، ألم جسدي لرؤية كثير من الكائنات وهي تنقرض أمامنا وبسببنا. بسبب عنجهيّتنا وغطرستنا ورغبتنا غير المحدودة في الاستهلاك والتملّك.
في تحقيقٍ نشر على موقع بي بي سي، يسأل الصحفي جون سودويرث تاجرَ عاجٍ صيني يدعى ليو فينغاي، عما إذا كان يرى أنَّ الفيلة تكونُ أكثر جمالاً وهي على قيدِ الحياة بدلا عن قتلها.
رد قائلا أن „العاج هو أفضل المواد لفن النحت، حتى لو كان صغيرا مثل حبة الأرز، يمكنك أن تنحت قصيدة عليه“. فكرّتُ كثيراً في ردّه، كيف يتحاشى رؤية ملايين القصائد الحية ويفضّل رؤيةَ قصيدةٍ ميتةٍ محنطة وجافّة!
لكنها تجلبُ له الثروة، وهذه هي بالضبط مشكلة العالم الحديث الذي تصيغ شكله ورغباته وأفكاره الرأسماية المتوحشة، عالم جميلٌ مثل قصيدةٍ ميتة.
وكم هو مؤسفٌ وحزين أن لا أحدَ في هذا العالم الاستهلاكي يفضّل القصائدَ الحية.
فالنزعةُ الاستهلاكية أصبحت تتحكّمُ بنا نحن البشر، نسارعُ لاقتناء كلّ شيء، ونرغبُ دوماً في الحصولِ على المزيد والمزيد، لا نكترثُ بنفاياتنا البلاستيكية التي تسبّبُ الدمارَ لآلافِ الكائنات الحية، ونسارعُ لالتقاط الصور مع الكائنات المعرضة للانقراض، دون أن نفكر، كيف نساهمُ في فنائها ونحن سعداء لهذه الدرجة.. كيف يتحوّل عالمنا هذا بكلّ خصوصيّته وفرادته والاختلافات الجميلة بين شعوبه، إلى مجرّدِ سوقٍ استهلاكية كبيرة، متشابهة درجة التقزّز، هدفها الوحيد هو الربحُ والأنانيّة وعدم الاكتراث بشركائنا الآخرين من الكائنات التي رافقت عمليّة تطوّرنا البشري عبر ملايين السنوات.
تتحدثُ الأرقامُ عن انقراض مئات الأنواع من الكائنات الحية سنوياً، تقول الأرقام أن عشرات الأنواع تنقرضُ سنوياً وتفنى للأبد.
كيف تمحى كل هذا الحيوات بهذه السهولة، كيف نمحو الغابات ونرمي نفاياتنا الشخصية ونفايات المصانع في البحار وكيف تنقرض لغاتٌ حية يومياً عاشت لآلاف السنوات، كلُّ ذلك يحدث وعين الحداثة والرأسمالية تحيطُ بنا من كلّ ناحية.
في صيف هذا العام كانت رؤيةُ الأنهار الجافة في العالم أمراً مروعاً للغاية، ترافقت مع الموجةِ السادسة من الانقراض الجماعي وتخريب الحياة البرية لعددٍ كبير من الكائنات الموجودة فيها.
المؤسفُ يا عمر أنّ هذا الكلام معروف ومكرر جداً لكنه يبدو قديم الطراز ولا يعجب أحداً.

لكن على من نلقي اللوم؟ على أنفسنا أولاً كأفراد ومن ثمّ على الحكومات والدول والشركات العابرة للقارات التي تدير الأزمات العالمية. حين أفكّر بما حدث ويحدث في ما يُسمّى بلاد العالم الثالث، أشعرُ بالغضب تجاه أوروبا وأمريكا، إذ لولا دعمُ حكوماتهم للديكتاتوريات لربّما كنّا اليوم نتحدث سوياً هناك في حلب أو دمشق حول أزمة التنوّع البيولوجي، لا على صفحات الرسائل بين برلين وباريس.
أنّهم يطبّقون قيمَ حقوق الانسان والديمقراطية داخلَ حدود بلدانهم، وكلّ ما يقعُ خارج حدودهم ينظرون له على أنّه مجرّد أسواق لاستهلاك منتجاتهم وسلعهم وأسلحتهم. هل وقعتُ في فخ التعميم الأحمق؟ ربّما. لكنّنا هنا نتحدثُ عن الحكومات لا الشعوب.
انظر على سبيل المثال، حين قامَ الديكتاتور بوتين بغزو أوكرانيا، انتفضوا كما لو أنّ أحدهم رماهم بماء بارد على وجههم، لكن أين كانوا حين كان بوتين وجيشه يقصف حلب وباقي المدن السورية، يدمرون البيوت، والمدن، وملاعبَ الأطفال، والمشافي؟ يجربون أسلحتهم على السوريين ليستخدموها لاحقاً في أوكرانيا. لقد كانت للأسف الشديد ألمانيا حينها توطّد علاقتها مع روسيا وتوقّع عقود الغاز. وهي تفعل المثل مع دول الخليج لأجل النفط.
هذا الغازُ الذي أصبحَ أزمةَ اليوم، بسبب سياسات الدول وتجاهلها لتغيير المناخ. ألم يكن جديراً أن تكون أوروبا قد تحولت للطاقة البديلة منذ زمن؟ لكن كما قلت لك، إنّه التوحّش الرأسمالي الذي يبحث عن أرخصِ الأثمان ولو على حسابِ الشعوب والطبيعة.

اليوم انظرُ للوراء دون الكثير من الحنين: لقد أصبحت حلبُ بعيدة. بعيدةً كنجمةٍ ماتت منذ ملايين السنوات، رغم أنّ بريقها لا يزال يضيء في ذاكرتي.
الخيطُ الذي يربطني بها أصبح واهياً مثلَخيوط العنكبوت وربّمابإمكانِ ريحٍ قوية قطعه للأبد.
هل قمتُ بخيانةِ المدينة؟ ربّما!!
أشعرُ اليوم أنّ الحدودَ والأوطان أوهامٌ اخترعها الساسة ليتحكّموا في شعوبهم ويدفعوهم لساحات الموت وكراهية الآخر لكي يقوموا هم بنهب ثروات العالم دون مساءلة، وإلا فانظر للطيور والحيوانات البحرية كيف تسافر من مكانٍ لآخرَ في كلّ موسم، قاطعةً آلافَ الكيلومترات بلا قيود.
ليتنا لم ننفصل لهذه الدرجة عن الطبيعة من حولنا، لربّما كنّا نحن والطبيعة معاً أكثرَ سلاماً وحريّة وطمأنينة عما نحن عليه اليوم.

وداد
كلّ المحبة

Autor*innen

Datenschutzerklärung

WordPress Cookie Hinweis von Real Cookie Banner