انظر من عينيّ أيها المخيم
انظر من عينيّ أيها المخيم
ولا تبكِ، منّي أو عليّ
إذ أفكّ ذراعيَّ عن جسمكَ
وأُفلته في بهو المطارات!
ولا تبكِ إذ أهدّلُ كتفيّ فوق الخشبة
مثل كرسيٍّ، وأسكت عن طرقاتك!
لأني لا أزال واقفًا هناك – أبحث عن مخرجٍ منها!
ولأني رحتُ حيفا بعينيك المشرّدتين
أغتالُ أشباحها في رأسي
وأضحّي لي بآخر حكايةٍ فيها!
ياه لو رأيت حيفا: كيف زحزحت بجمالها الخيلَ الساكنة
حول بركة روحي الغافية!
كيف تقول إذن عن هذه العودة انتحارًا للحكاية؟
انظر إليّ وأنا أدخل المطارات
دون أن تمزّق أمي ستائر البيت، بحثًا عن طريق!
انظر! مات الجميع وهم يرتقون الستائر خلف المُغيّبين
وأهلي عند الحدود في قيامتهم
بينما أنا في المطار أمرّ بين سياح القيامة
أدكُّ مسامير لحمي على جواز السفر
رافعًا إياه بوجه المفتّش
بينما ينزع عني القارب المطاطي باشمئزازٍ
كأنه علكةٌ قديمة!
قائًلا: „هذا ما وجدت عليه آبائي“
ثم ابتسمت ببلاهةٍ، أعلنت كرهي للماء وعبرتْ!
دون أن أصل بحر حيفا
أو أنظر إليه – مثلما نظر إليه يومًا جدي – بشهيةٍ أكثر!
لا لن يصدّقني أحد!
لكني سأعود دومًا، مثلما سيعتاد جسدي طقوس العبور
وسأدسّ أشيائي المشبوهة في كيسٍ بلاستيكي
دون أن أعلّقه حول عنقي
أو أحرس ما فيه، خوفًا من عيون البحار!
كما لو أني لم أدخله ميّتًا قبل الآن، لأحيا
ناسيًا / مصدّقًا أن الذين اتخذوا سُبُل الشمال
لن يروني
مِن كثرة ما رميتُ في عيونهم مِن ظلال الحكاية!
انظر أيها المخيم!
لا شيء فيّ عاد يُرى
أفلتُّ ذراعي عن جسمك
وخرجت من المطارات
فلم يرني هناك أحدٌ بعدها
ولم يصدّقني هنا أحد!
قلت لنفسي: لا تبكِ بمجرّد أن يسألك سائق السيارة: من أين أنت؟
ولا تبكِ مغمضًا عينيك
كي ترى!
وإن بكيتَ فلا تمشِ!
قف وابتسم ملء وجهك
لمن يفرط زهرة عمره في وجه الأسفلت!
وابتسم ملء وجهك لأهلك والحجر في الوادي
فأنت لم تأتِ سائلًا عن توبةٍ، أو غفرانٍ للأمكنة
بل أتيتَ
لأنّك أتيتَ، متأخّرًا
من رحلة جدّك الّتي
لم يبتسم فيها يومًا إليك أحد.
حيفا – في السادس من آب 2023