Menu
Suche
Weiter Schreiben ist ein Projekt
von WIR MACHEN DAS

> Einfache Sprache
Logo Weiter Schreiben
Menu
Text-2

باسم

 

ديمة البيطار قلعجي

باسم ورباب.

رباب بفستانها الأحمر، وباسم بقميص أصفر وبنطال أخضر، والديهما والصديقان ميسون ومازن، هم الشخصيات الأكثر رسوخًا في ذاكرة من بلغ الأربعينيات من العمر اليوم، ربّما أكبر أو أصغر قليلًا. ما زال هذا الجيل يحتفظ بتفاصيل حياة هذه الشخصيات.

باسم ورباب هما الشخصيتان الرئيسيتان في كتب المرحلة المدرسية الابتدائية خلال فترة حكم الأسد الأب، من السبعينات وحتى بداية حكم الأسد الابن سنة ٢٠٠٠.

ابتكر الفنان ممتاز البحرة هذه الشخصيات، والبحرة فنان يساريّ من عائلة دمشقية معروفة، ومن روّاد ومؤسسي أدب الأطفال والكاريكاتير في سوريا. كاد أن يُنفَّذ فيه حكم الإعدام بعد سجنه خلال فترة حكم الضباط الناصريين لأنه رسم كاريكاتيرًا يسخر فيه من جمال عبد الناصر.

شكّل البحرة صورة الطفولة والعائلة والمجتمع لمدينة طلائع البعث الفاضلة في كتب المرحلة الإبتدائية، فبقيت محفورة في أدمغتنا، كما أبدع الكثير من الشخصيات والحكايات ونشرها في مجلتي أسامة وسامر للأطفال واليافعين.

اعتزل البحرة الكاريكاتير بسبب تهديدات مجهولة كانت تصله و تصل عائلته، ومن ثم اعتزل الرسم بسبب الفساد والمحسوبيات والإهمال، وأخيرًا قرر أن يعتزل المجتمع بأكمله. رغم علاقته وعمله طويلًا ضمن مؤسسات نظام البعث، إلّا أنّه لم يحب النظام يومًا، ولم يحبّه النظام في المقابل. توفي ممتاز البحرة في العام ٢٠١٧، وحزنت عليه أجيال تعلّمت الكتابة والقراءة مع قصصه ورسوماته.

***

كان في رجل عمره بأواخر التلاتينات، بوقف قريب من البرلمان بالشام، دمشق، سوريا، أحد أشهر ديسيتوبيات هذا العالم، بيلبس طقم رسمي أبيض، ومعه محرمة قماش، بيفتحها، وبسكرها، وبيرجع بيفتحها وبسكرها، وهو عم يردد أغنية بتشبه تعويذة موزونة ليلاقي الضايع لما بيفتح المحرمة.

هي كانت التفاصيل الوحيدة للي بقيانة بذاكرتي من القصة.

***

هناك ابتسامة دائمة مرسومة على وجهي باسم ورباب الطفوليين، نفس الابتسامة مرسومة على وجهي صديقيهما مازن وميسون، وعلى وجوه الأبوين والمدرسين والفلاحين والعمّال، وعلى وجوه كلّ الشخصيات المرسومة في أي كتاب مدرسي، من الصف الأول وحتى السادس الابتدائي.

وإن كان الفلاح يزرع، والأب يكتب، والأم تلبس، وباسم يرسم، ورباب تلعب أو تركض أو تقرأ، مهما كان الفعل٬ كان هناك سكون ما يضبط اللوحة؛ يضبط ألوانها وخطوطها المبسّطة الجميلة.

نادرًا ما كانت تتفاعل الشخصيات المجتمعة في اللوحة مع بعضها أو تنظر في عيون الآخرين، تبدو كل شخصيّة منها غارقة في عالمها وفي فعلها الخاص بابتسامة ساهية ثابتة لا تفارق وجهها أبدًا.

***

سألت أحد أصدقائي إذا بيعرف تفاصيل أكتر عن قصة رجُل المحرمة المطوية، ما عرفه، سألت أخي، فكمان ما عرفه، سألت أمي ماكان عندها أي فكرة، لحد ما بالأخير سألت شخص، كان إله ذاكرة مدينة تانية غير دمشق.
فعرفه فورًا.

  • راتب؟

ها صار للشخص اسم.

  • كان بوقف بباب التركمان بحمص، ويطوي محرمة ويفتحها، لكن مالي متأكد إنه كان يردد تعويذة أو غنية موزونة.
  • يعني مو بالشام؟ سألت.
  • لا بحمص..
  • ع شو كان عم يدوّر؟
  • ما حدا بيعرف فعلًا، ناس بقولوا إنه حدا احتال عليه إنه في ليرة مخباية بالمحرمة، وناس بقولوا إنه  قصة ورتها من الطفولة كان مصدّق إنه في كنز رح يطلع له، كمّل عمره وهو عم يدوّر عليه. هو ماكان متوازن عقليًّا، في ناس بتنحكى إنه اعتُقل، ورجع هيك، بس مو أكيد، كلها روايات شارع. 
  • والغنية الموزونة؟ كان صوته حلو.
  • ما بتذكر إنه كان في غنيةّ.
  • وكان يلبس طقم رسمي أبيص؟
  • آه لا هاد شخص تاني، هاد كان يوقف بالشام عند البرلمان.
  • هاد للي ما خلوه يتجوز للي بحبها فجن؟
  • وبقي لابس طقم الخطبة وعم يغنّي.
  • طيب وراتب على شو كان عم يدوّر؟
  • على حاله! يمكن… 

***

كانت عائلة باسم ورباب عائلة من الطبقة الوسطى، يمكن التماهي مثلًا مع أثاث المنزل بسهولة بالنسبة لشرائح واسعة من المجتمع. الأب يعمل في معمل الحليب، لكن كان من الممكن أيضًا أن يكون موظفًا في دائرة حكومية ما، أو بائعًا، أو يعمل في أيّة مهنة مدينية أخرى.

فيما كان الأب يمثّل عمّال المصانع، كان خال باسم ورباب يلعب دور الفلاح النشيط، والعمّ منصور هو الحرفي الماهر، النجّار. لا أذكر تفصيلًا حول عمل الأم، عدا عن كونها أمًّا.

ثياب العائلة تبدو أزياء عائلة محافظة اجتماعيًا، لكنها ليست عائلة ملتزمة دينيًا، وليست عائلة غنية، وليست فقيرة كذلك. من الممكن أن تعيش عائلة باسم ورباب في أية مدينة أو بلدة في سوريا، سافر الولدان في رحلات ضمن „أرض الوطن“ وزارا معالمه، لكننا لم نعرف مسقط رأسيهما.

لا تنظر إلينا العائلة أبدًا، لا أحد ينظر في عيوننا، نبدو وكأننا نراقب مشاهد حياتهم المثالية من وراء هواء مقاعدنا الخشبية المدرسية المهترئة.

لا تنظر اليوتوبيات إلينا عينًا بعين، بل تتركنا نتلصص عليها، نتأملها، نتمناها، نتخيل أنفسنا جزءًا منها، لكنها تخفي على الجانب الآخر من الصفحة -الجانب الذي لا نراه- كمّا هائلًا من العنف الذي يصل إلينا بابتسامة ساكنة ومهذبة.

مخيفة هي ابتساماتكم، مثلها مثل جميع اليوتوبيات، مخيفة.

***

هذه قصّة راتب.

راتب شاب من مدينة حمص وسط سوريا. اعتقدتُ في البداية أنّه عاش في دمشق، لكن تبين لي خطأي لاحقًا.

لم يقف عند باب البرلمان، بل عند باب التركمان.

لم يكن راتب يغني أبياتًا وقصائد موزونة، ولم يلبس طقمًا رسميًا أبيضًا. ذلك شخصٌ آخر.

يبسط منديلًا قماشيًا أبيضًا مطرّزًا.

يبحث عن ضائع لا يجده.

يثني المنديل بعناية، ويعيد طيّه، ثم يبسطه مجددًّا إلى أن يهترئ (هو والمنديل) من الخيبة.

حتى أنّني لستُ متأكدة من أنّ اسمه راتب، أعتقد أنّ اسمه باسم.

ربّما.. وأعتقد أيضًا أنّه كان يبحث عن ابتسامة.

Zurück

Datenschutzerklärung

WordPress Cookie Hinweis von Real Cookie Banner