حواسي الخمس

صوتُكِ الكاذبُ مساءَ الأمسِ
وجهُكِ الدبقُ من ملامحِ شخصٍ آخرَ
خوفُكِ الطفوليُّ
رعشتُكِ الزلزالُ
جلدُكِ الغيمةُ المثقوبةُ
كفُّكِ التي تستديرُ كسوارٍ
فمُكِ الذي يُتأتِئُ حين يقولُ ما لا تريدين
أعرفُهم، كما يعرفُ ابنُ الصحراءِ أمَّهُ
بحواسيَ الخمسِ:
حدسُ الزوجاتِ
نزقُ الشعراءِ
قلقُ أسرى الحربِ
خوفُ الهاربين
ودرايةُ المذنبين بأسرارهِم
بحواسيَ الخمسِ هذه، أعرفهُم
وأتجاهلهُم اليومَ
كماضٍ مؤلم
أنا جهازُ كشفِ الكذب الخاصُّ بكِ
ميزانُكِ المرميّ في زاوية مظلمةٍ
عرّافةُ حزنِكِ ومحاولاتِ خبثِكِ
بيتكِ الذي يغمض جدرانَه على عريكِ، ويغلق بيبانَه لأجلك، ويمنحُكِ مفتاحَ حريّتكِ
قطّتك التي تعرف أين تخبّئين الطعام ولكنّها تحبّ أن تناديكِ
وماضيكِ الذي لم يأتِ بعد لتتخلّصي منه
ماضيكِ الذي يعرفكِ أكثر منكِ
أعرفُ كيف تغيّر جسدكِ، حتّى أصبحتُ الآن ضيِّقًا
معلّقًا في خزانة الملابس كذنبٍ مشنوقٍ
تقفز عنه أصابعكِ وترتعش
وكيف تغيّرت ملامحكِ
فأصبحت صورنا التذكاريّة لغريبَينِ
وكيف لم يتغيّر صوتُك حين تكذبين…
كأنَّكِ نسيتِهِ مذ قلتِ لي آخر مرّة:
„أحبُّكَ“
أُخرِجُكِ الآنَ من لحمي
كرصاصةٍ
بعد أن كنتُ أشربُ من ريقكِ
كمن يشرب سمَّ الأفعى ترياقًا
بعد أن كنتُ أسكنُ إليكِ
بعد أن كنتُ أخرجُ إليكِ من جلدي كأفعى
تاركًا ذكرياتي للترابِ والدودِ
وبعد أن كنتِ أشهى ما يمكنُ للمنفيّ أن يشتهيه من منفاه
أخرجُكِ الآنَ من جلدي كشامةٍ تغيّر لونُها
من عيني كدمعةٍ متحجّرة
من قلبي كدمي
ومن رأسي كشظيّة لم تعرف حربًا
أُخرِجُك… كما أخرجتْني دمشقُ