Menu
Suche
Weiter Schreiben ist ein Projekt
von WIR MACHEN DAS

> Einfache Sprache
Logo Weiter Schreiben
Menu
Europa Weiter Schreiben - Briefe > Omar Kaddour & Widad Nabi > Das Schmerzgedächtnis - Brief 1

ذاكرة الألم - الرسالة الأولى

من وداد نبي إلى عمر قدّور

Übersetzung: Larissa Bender Aus dem Arabischen

Bild von einem Schatten einer Frau mit Kind © Widad Nabi
© Widad Nabi

العزيز عمر،

أكتبُ لكَ الآن وأشعرُ أنني أعضُّ على صراخٍ مكتومٍ مثل أخطبوطٍ يرمي قلوبه الثلاثة في الفراغ.

قد تتساءلُ لماذا اخترت التشبه بهذا الكائن تحديداً! ربّما لأنّ هذه الكائنات الجميلة لديها ذاكرةٌ مثالية لتذكّر الألم، فتستطيع تفادي الذهاب إلى أماكنَ عانت فيها مسبقاً، حتّى لو تغيّرت الظروف ولم يعد مصدرُ ذاك الألم موجوداً هناك. هكذا يقولُ العلماء على الأقل.
كلُّ شيءٍ يتمّ تسجيله في هذا الصندوق الذي يسمّى الذاكرة، ولا شيء بتاتاً يتسرب منه للنسيان.
أكتبُ لكَ هذا الكلامَ وأنا أنظرُ بين الحين والآخر لطفلي الرضيع النائم البالغ من العمر ثلاثةَ أشهر، وأتساءل هل سأمتلك الرغبة والقدرة لمرافقته يوما ما إلى بلادنا، إلى المكان الذي عشت فيه كلّ ذلك الألم؟
بعد مرور ثماني سنواتٍ على مغادرتي للبلاد، أشعر أنّني أخطبوطٌ يرفضُ الذهاب لمكانٍ كان مصدرَ كلّ آلامه، المكانُ الذي ينغص حياتي المستقرة هنا ويزورني كلّ فترةٍ في نومي على شكلِ كوابيس يبدو أنّني سرّبتها لطفلي حين كان في رحمي بذرةً صغيرة. ذكرت إحدى المقالات العلمية التي قرأتها مؤخّراً، أنّ رحم الأم يعدُّ واحداً من الطرق الرئيسية التي تنتقل بها الصدمات عبرَ الأجيال. هل يعقلُ أنّ الرحمَ، هذا المكان الذي نحنّ إليه كالمصدرٍ الأول للحنان والأمان، أن يكونَ له وجه آخر، وجه مرعب يردد صدى نوباتِ صراخي وخوفي وبكائي الليلي أثناءَ الحمل؟

خلال شهور الحمل التسعة زارني الكابوس الليلي المعتاد عدة مرات، كابوسُ الحربِ الذي رافقني منذُ هربت مع عائلتي من حلب أثناء الصراع بين المعارضة المسلحة والنظام شتاءَ عام ٢٠١٢. في ذلك اليوم الذي اختلطَ فيه صوتُ المطر مع القصف والرصاص والمدفعية وبكاءنا فيما أخي يحاول بكل الطرق النجاة بنا بسيارته من الموت الذي خيم على ليل مدينة حلب.
منذُ هروبنا ذاك والكوابيسُ تلاحقني من مدينةٍ إلى أخرى، البكاءُ والخوف والصراخ لا يتوقّف إلّا حينَ يوقظني شخصٌ ما من نومي، وينقذني من مصدر الخوف الكائن في حلمي.
لكن يا عمر…كيف لأمٍّ تحمي رضيعها من كلّ أذىً أن تكونَ مصدرا لألمه أيضاً؟ تتحدّثُ الدراساتُ عن الصدمات النفسية وانتقالها عبر الأجيال، وتعطي نماذجاً عن دراستها، الأطفال والأحفاد الناجين من الهولوكوست أو الجنود الناجين من الحربِ الأهلية الامريكية عام ١٨٦٤، حيث تبيّن أنّ الآثارَ النفسية امتدّت للأطفال الذين لم يشهدوا الحرب ولم يعرفوا معسكرات الاعتقال.
أيُّ رعبٍ في هذا الأمر! أيّةُ قسوة! أن أشاهدَ طفلي وهو يستيقظُ مذعوراً وصارخاً في نومه، خائفاً، ويبكي بسبب كابوسٍ مررته له من ذاكرتي أو من رحمي؟
سألتُ طبيبةَ الأطفال إن كانَ الرضّع يشاهدون الكوابيس، قالت: „لا أعلم، معظمُ أطّباء الدماغ والأعصاب يقولون أنّ الرضّع لديهم ضعفُ القدرةِ في التخيّل البصري والمكاني، لكن ليس هناك شيءٌ أكيد، لم لا؟“
أفضّل أن أصدّقها وأصدقوأبحاث أطباء الدماغ والأعصاب، على أن أصدّقَ أنّ رحمي هو مصدرُ ألمٍ لطفلي الصغير، أفضّل أن اعتبر أنّ صراخهُ المرعبَ أثناءَ نومه بسبب مغصٍ أو جوعٍ، على الرغم أنّ بكاءه في حالة الجوع والألم مختلفٌ كلياً عن صراخه وبكائه الليلي، حيث يستيقظُ مرعوباً وخائفاً بطريقةٍ مشابهة لطريقتي حين أشاهدُ إحدى تلكَ الكوابيس.
مشاعرُ الذنبِ والمرارةِ رافقتني أثناءَ حملي، في المرات التي استيقظُت فيها مرعوبةً باكية أصرخ، كنتُ أخاف أن يرتعب جنيني في رحمي وأنا في مثل هذه الحالة.
حين نزفت في الشهر الرابع، قلت لنفسي لربّما قرّر هذا الكائنُ الصغير أنّ الحياة في رحمِ أمّه الممتلئِ بالكوابيس والصراخ والبكاء ومشاهد الحرب والقصف ليست حياةً جميلة، لربّما قرر المغادرة، لكنّه ويا لسعادتي تمسّك برحمي وبحقه في الحياة رغمَ كلّ الرعب الذي كنت أسترجعه بين الحين والآخر، ورغمَ آلام ذاكرتي الهائلة التي لا اسم لها.
يا صديقي.. أنا أخطبوطٌ لا يتوقّف عن تذكّرِ الألم ومصدره.
أتذكّر ما كتبتَهُ أنتَ لطفلتكَ دفا على الفيسبوك في ذكرى مولدها الثالث:
„اليومَ تستهلُّ دفا عامها الثالث
بعدَ سنواتٍ عندما سأقولُ لها أنّ شمسَ الشام كُسفت حقاً يوم مولدها، وأنّ السماء كانت تمطرنا بالقذائف، ستضحكُ وتقول في سرّها: يا لأولئكَ الآباءِ السذّج الذين لا يكفّونَ عن المبالغة!)
أعدتُ قراءةَ منشورك عدّةَ مرّاتٍ وأنا أكتبُ هذه الرسالة، شعرتُ برغبةٍ في البكاء معك، أمٌّ وأبٌ أنجبا صغيرين لهذا العالم المتوحّش وكلاهما كأخطبوطاتٍ لا تتوقّف عن تذكّر مصدرِ الألم.

أودُّ أن أعرفَ ما هو شكلُ القلقِ الأبويّ في منفاك الباريسي؟ هل يختلفُ القلق والهواجس المتعلقة بالخوف من العنصرية والهوية والكوابيس عن المنفى البرليني؟ هل كتبت المنفى، ألم يكن الوطن أيضاً شكلاً من أشكالِ المنفى، الوطن الذي أهدانا القذائفَ والموت في يوم ميلادِ أطفالنا.
أتُرى مشاعرَ الأبوّة مختلفة عن الأمومة؟ كما تعلم فقد أصبحت أماً منذ شهور قليلة، لذا فالتجربةُ لا تزال طازجة، والأفكارُ والهواجس تطحن بعضها بعضاً.
قرأتُ في مقالةٍ مترجمة للمحللة النفسية الفرنسية المعاصرة ماريليا أيزنشتاين أنّ الأمومةَ هي احتلالٌ لذات المرأة يدومُ مدى الحياة وما بعدها
هل الأمرُ كذلك مع الأبوّة؟
ترى هل كان سيكون لاكتئابي الذي عانيت منه لفترة ما بعد الولادة شكل آخرَ لو كنت في حلب، ومارست أمومتي هناك؟ في أمكنةٍ أعرفها وتعرفني، بين وجوهٍ لن تحاكمَ صغيري بسبب لونِ بشرته أو خلفية والديه.. هل كان الصفيرُ المرعب للاكتئابِ أقلَّ توحّشاً؟ أم العكس؟ لا أدري. ربّما لديك إجاباتٌ هناك في باريس.
لكن ياعمر.. هل للحرب أم؟ كيف يكبرُ شخصٌ له أمٌّ ويصبح قاتلاً وديكتاتوراً ويقصفُ شعبه ويهدمُ منازلهم فوق رؤوسِ أطفالهم في المهد.
منذ أصبحتُ أمّاً وفي قلبي حنانٌ يكفي العالم، أغفرُ لمن يسيء إليّ كما لو أنّ أمومتي تطفح على هذا الكون بأكمله.
كيفَ يمكن لمن كانت له أمٌّ، تحمّمه، ترضعه، تعطيه الحب، تهزُّ مهده، أن يصبحَ قاتلاً للأطفال والامهات والعائلات؟ كيف يمكن أن يرى صورةَ أرجوحةِ طفلٍ ومهده مدمرة بقصف طائراته، ألا يوخزُ ذلك قلبه، قلبَ أمه، قلبَ الكون؟
يصعبُ تقبل سلوك الديكتاتور الطغاة والقتلة، لأنه يجب أن تفصلَ هذا الجانب عن طفولتهم، عن براءتهم الأولى حين كانوا أطفالاً.
هل يشاهدُ الديكتاتور صورته وهو طفل، هل يرى ألعاب أطفاله؟
أنظرُ لصورة طفلتكَ دفا وبجانبي صغيري ماكس وأقول أنّ الأمومة والأبوّة هما ضدّ القتل بالمطلق، ولحسن حظّ الصغيرين أنّهما يعيشان بأمانٍ في هذه المنافي البعيدةِ عن أوطاننا القاسية، حتّى وإن كان المنفى يتنفّس عبر رئاتنا المتعبة.

كلّ الحب
وداد
برلين، 25.08.2022

Voriger Brief:

Das Schmerzgedächtnis - Brief 1

Widad Nabi an Omar Kaddour: während ich Dir schreibe, kommt es mir vor, als würde ich mir einen Schrei verbeißen oder als wäre ich ein Krake, der seine drei Herzen auf einmal ins Leere wirft. LesenText im Original

Autor*innen

Datenschutzerklärung

WordPress Cookie Hinweis von Real Cookie Banner